فى هذا الجزء نستكمل الكتاب المشوق الذى أعدته الكاتبة الصحفية زينب عبدالرزاق عن فاتن حمامة والذى كان يمكن أن نقدمه لك أيها القارئ العزيز فى حلقة واحدة، ولكن لما يتضمنه الكتاب من حكايات مشوقة عن فاتن حمامة بتفاصيل ربما لا يعرفها الجيل الحالى آثرنا ألا نفوت كثيراً من أشيائه المثيرة عن سيدة الشاشة العربية
ففى الباب الأول والذى يحمل عنوان (مذكرات فاتن حمامة) كما تحكيها وهو يقع فى أربعين صفحة بالكتاب وهو كان حواراً قد أجرته الراحلة مع الإعلامى الراحل وجدى الحكيم فى 1995 تمت إذاعته تليفزيونيا فى (15) حلقة
يتحدث عن ظهور فاتن فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى واستهلتها بدور أنيسة ذلك الدور الذى لفت الأنظار فى فيلم (يوم سعيد) ثم قدمت فى دور المراهقة اللطيفة دور شقيقة راقية إبراهيم فى فيلم (رصاصة فى القلب) لعبدالوهاب وفيلم (الهانم) ثم بعد ذلك اهتم السينمائيون بفاتن بوصفها وجها جديدا جذابا ومعبرا، وهنا برعت فى تقديم دور الفتاة المصرية المظلومة والمغلوبة على أمرها كما فى أفلام «اليتيمتان» و«أنا بنت ناس» و«ابن النيل» و«كأس العذاب» و«موعد مع الحياة» و«دائما معاك» و«أيامنا الحلوة».
وهى أيضا بلا منافس قدمت أدوار الرومانسية بشكل رائع وراق جدا، ومنحت السينما العربية تجسيدا مدهشا لمعانى الحب العميق العذب، دون أى خروج عن المألوف، ثم بدأت المرحلة الثانية من عمرها الفنى فى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات والتى كانت بمثابة البداية فى الاحتكاك بمشاكل المجتمع المختلفة العميقة والمسكوت عنها فى محاولة جادة وواعية لتقديم فن هادف جميل، فقدمت «لا وقت للحب» و«طريق الأمل» و«الباب المفتوح» و«دعاء الكروان» وقد استطاعت فاتن أن تحول نفسها إلى الفنانة القادرة على محاكاة قضايا المجتمع والأسرة وتجسد عيوبه وأزماته وهذا ما جعل منها ظاهرة اجتماعية وفنية ومنها فى الوقت نفسه لقب سيدة الشاشة العربية لأن كل سيدة وجدت فيما تجسده فاتن نفسها وأحلامها ومشاكلها ثم جاءت المرحلة الثانية فى مشوارها الفنى عقب عودتها إلى مصر فى بداية السبعينيات لتقدم فيلم (لا عزاء للسيدات)، الذى يهتم بالمجتمع الذى يقسو على ضحيته بدلا من مناصرتها ويدين عزلة وقسوة المطلقة ثم فيلم «الخيط الرفيع» الذى كان مختلفا تماما عما تقدمه، فهى كانت دائما النموذج الأعلى للبنت المصرية إلا أن هذا الدور دلل على ذكائها الحاد ثم فيلم (إمبراطورية ميم) الذى قدمته بكل نعومة ورقة برغم ما يحمل من معان سياسية عميقة ثم فيلم (أريد حلاً) الذى يعالج مشاكل المرأة المصرية التى تريد أن تطلق من زوجها دون جدوى ويستخدم الزوج حقه فى إذلالها وتعذيبها، وكان لهذا الدور أثر فى تغيير قانون الأحوال الشخصية بمصر، ثم فيلم (أفواه وأرانب) و(ليلة القبض على فاطمة) الذى انتقدت فيه الفساد السياسى الذى يدوس على كل قيم المجتمع. بعد ذلك بدأت فاتن حمامة مرحلتها الثالثة بدماء فنية جديدة، وقدمت فيلمى «أرض الأحلام» و«يوم مر» فيهما أدوار مركبة ثم قدمت مسلسلين هما (ضمير أبلة حكمت) و(وجه القمر)، لذلك ستظل سيدة الشاشة التى استطاعت أن تلخص نون النسوة فى مشوارها الفنى الفريد
يوم سعيد
ومن حوار فاتن حمامة مع الإذاعى وجدى الحكيم وكان المشرف الفنى عليه هنرى بركات مخرج فاتن حمامة المفضل فى طول مشوارها الفنى أن الناموس كان الشىء الوحيد الذى كان يضايقها أثناء تصوير فيلم (يوم سعيد), حيث كان شارع الهرم الذى به استوديو مصر مليئا بالمزارع والحقول وكان به بعض فيلات متناثرة
وعندما لم يكن يوجد تصوير كان والداها يصحبانها للحجرة المخصصة لها لكى تنام وكانت تكره هذا الوقت جدا لأنها كانت تحب البقاء فى البلاتوه، وأنه ذات يوم كانت تشعر بالضيق فأخذها المخرج محمد كريم يلعب معها الكرة والحبل وتم تقديم كم كبير من العرائس واللعب والهدايا لم يحلم به طفل وقتها
رصاصة فى القلب
وكان عبدالوهاب دائما يضحك فالشغل يبوظ، وقالت فاتن إن عبدالوارث عسر كان يدربها على أداء دورها فى فيلم (رصاصة فى القلب) وتفاجأ أنها قدمته أحلى مما كانت مدربة عليه، حيث قالت إنها لا تحب أن تمثل إلا عندما تشعر بالكلام وترتدى ملابس الدور وتجلس يومين وثلاثة تتدرب عليه (شوفوا اليومين دول بيحصل إيه الممثل يخرج من البلاتوه بلبس دوره وفى الطريق يتعرف على الدور الذى سيذهب لتصويره فى عمل آخر بالسيارة)
«هو الفن باظ من شوية»، ما علينا تستطرد حمامة أن دورها بعد «رصاصة بالقلب» كان فيلم (الهانم) وكان عمرها (13) سنة والمخرج كان يريد فتاة عمرها (16) عاما وشكلها وحجمها يعطيان أقل من عمر الـ (13) عاما وكانت المشكلة كيف أن بركات المخرج وآسيا المنتجة يكبرانها فاستعانا بالماكيير الخاص بآسيا ليكون هذا الفيلم نقلة كبيرة فى حياتها
وعن فيلم (ابن النيل) قالت فاتن حمامة إن شكرى سرحان ويحيى شاهين معها بالفيلم وكان يتم التصوير بالقرب من منطقة الجيزة وكان سكان القرية بسطاء ولم يكونوا يسببون أبدا لنا ضيقا، وتتذكر أن يحيى شاهين كان يترك التصوير ويمص قصبا كثيرا وكان ذلك يفسد المكياج
واستطردت أنها كانت تحب التصوير فى الاستوديو أفضل من الخلاء والشوارع لأن الاستوديو يعطيها المود لإعطاء المشاعر الحقيقية للمشهد أما التصوير بالشوارع ضوضاء
ابن النيل
وأن أول فيلم صورته خارج مصر كان استكمال مشاهد لها من فيلم (ابن النيل) ثم كانت تجربتها الأولى مع يوسف شاهين بفيلم (بابا أمين) والذى كان أول فيلم ليوسف شاهين بعد عودته من أمريكا بعد دراسته للسينما، وأن فكرة الفيلم لاقت اهتمامها فهى تحكى عن حلم، ولكن هذه الفكرة لم ترق للجماهير، الناس تغضب عندما تقدم لها رواية وآخر الرواية توضح لهم أن ما حدث كان حلما وكأنك ضحكت عليهم، تجربة الحلم هذه دائما تفشل عندنا فى مصر، وأحمل لهذا الفيلم ذكريات، هكذا تقول حمامة مع مارى منيب والفنان حسين رياض, حيث لدى مارى منيب خفة دم رهيبة وتشبهها بالضبط زينات صدقى
ثم كان فيلم (ظلمونى الناس) الذى عرض فى 1950 من إخراج حسين الإمام وقدمته مع شادية التى قدمت معها أفلاما كثيرة، ولم يكن بيننا أى غيرة وكنا نضحك معا باستمرار ونحن قدمنا فيلما مع حسين الإمام وأعمارنا 13 و14عاما، وتقول فاتن أنها ذات يوم أثناء التصوير قالت لشادية «أنا أطول منك فقالت لا أبدا وفى الحقيقة أنا وشادية لسنا من طويلات القامة وتركنا البلاتوه وأخذت كل منا تقيس طول الأخرى ووجدنا فى النهاية أننى أطول من شادية»
ومرة كانت تصور مشاهد خارجية بالصحراء مع شادية فقالت شادية لها : «يا فاتن أنت لا تعرفين الجرى فقلت لها أجرى أحسن منك وتركنا العمل والتصوير وكل منا تتسابق مع الأخرى وتركنا التصوير كانت أحلى أيامنا»
وشادية كانت إنسانة طبيعية جدا وهذه الطبيعية تجعل الفنان متميزا جدا سواء فى الغناء أو التمثيل، وشادية إنسانة خفيفة الدم ودلوعة وأتذكر كما تقول فاتن فى أحد الأفلام «غنينا ورقصنا وكان شكلنا عجيبا»
وعن دورها فى فيلم «لحن الخلود» الذى عرض فى 1952 من إخراج بركات بطولة فريد الأطرش ومديحة يسرى وماجدة وتم تصوير الفيلم فى بلطيم بجوار البحر وكانت بلطيم فى ذلك الوقت صحراء، والممثلون قالوا معقول هنعيش فى الصحراء، وبعد عشرة أيام أحببنا المكان حبا شديدا وكنا نسكن فى عشش من الجريد وكان فى البداية الأمر صعباً ثم تعودنا بعد ذلك، وبعد تصوير هذا الفيلم أصبحت بلطيم مصيفا شعبيا لكنى لم أذهب لها بعد تصوير ذلك الفيلم طوال حياتى، ولأول مرة تكشف فاتن حمامة أنها كانت تشعر بالضيق عند تصوير مشاهد أغنية، فالمطرب يغنى وماذا تفعل البطلة وبعد ذلك الفيلم ثرت جدا وطلبت عندما يغنى المطرب لابد أن أقوم أنا بشىء ولاشك أن أغانى فريد فى «لحن الخلود» كانت شيئا عظيما ونجحت جدا
ومازال الناس يتذكرون أغنية «ليه الدنيا جميلة وحلوة وأنت معايا» والتى رقصت فيها بخجل لثوان وكان الأمر يجسد العصر الذى نعيش فيه كانت توجد ثقافة محترمة وذوق فى كل شىء وفى الديكور والملابس والاكسسوار وأماكن التصوير وكانت البطلات يرتدين ملابس فخمة وجميلة وحتى الكومبارس. وهناك اهتمام شديد بهم وبملابسهم، فالسينما صورة من صور المجتمع وتتذكر فى أحد أيام تصوير فيلم فريد الأطرش كان غاضبا وفريد بطبيعته طيب القلب جدا ولابد أن تعامله معاملة خاصة قال لى : كيف يكون أجرك أكبر من أجر مديحة يسرى؟
الأستاذة فاطمة
فى هذا الفيلم هى ارتدت ملابس غالية جدا فقلت له دورى دور بنت فقيرة ومديحة بنت غنية ماذا أفعل ؟ ولكن فريد لم يقتنع.وتعلن فاتن أنها كانت تكره حفلات افتتاح الأفلام الذى لابد للممثلين وطاقم الفيلم أن يحضروه مع الجمهور حيث كانت تلك الحفلات تصيبها بالرعب وكانت دائما تحضر حفل الافتتاح مع شقيقيها منير ومظهر وذات مرة بسينما ميامى كان شقيقاها يمسكان بها كل من ذراع كى تعرف أن تتحرك من الزحام لدرجة أن حذاءها ضاع وكانت بهدلة، طبعا حب الجمهور شىء لا يفوقه شعور لكن كنت دائما أخاف من حكم الجمهور حيث إن الفيلم يعرض فى العاشرة صباحا، فلو كان إيراد الشباك جيدا فهذا معناه أن الفيلم نال إعجاب المشاهدين ونطمئن قليلا وفى هذا الوقت كان يوجد عدد كبير من دور السينما فى مصر
فى الحلقة التالية تتحدث فاتن عن زكى رستم وأنور وجدى وذكريات «لك يوم يا ظالم» و«الأستاذة فاطمة» و«موعد مع السعادة» الذى مثلت فيه ابنتها نادية و«حب ودموع» و«صراع فى الميناء» واكتشافها لعمر الشريف وذكرياتها مع أحمد رمزى صديق العمر وخوفها من السباحة والحيوانات وركوب الطائرات
شهيرة النجار