البليغ 5 .. شعراء بليغ

شعراء بليغ: عبد الرحيم منصور وسيد مرسى المكوجى الذى أصبح أحد أعمدة الأغنية المصرية

توفيق الحكيم لبليغ وعبد الرحيم منصور بعد أخذ عنوان مقاله عبرنا الهزيمة: لقد عبّرتم عن عبور الهزيمة أفضل منى  

كيف كتب عبد الرحيم على الربابة وبليغ على رأسه يوقظه من النوم 

أولى أغاني عمرو دياب «يا طريق» كانت لعبد الرحيم منصور وأولى أغاني على الحجار وأولى أغاني عفاف راضي “تساهيل”

رغم أن صديقي سكرتير التحرير الأستاذ أشرف عزب المغرم ببليغ حمدي يقول «لي كفاية بليغ» وأنا أرد عليه ردى المعتاد إلا أننى لم أتوقع في كل حلقة كل هذه الحفاوة والمعلومات لدرجة أن قناة «….» الوثائقية قدمت منذ أيام قليلة حلقة كاملة عن بليغ استعانت فيها بعدد من النقاد المصريين كالأساتذة طارق الشناوي وأشرف غريب، والحلقة متاحة على اليوتيوب لمن يريد مشاهدتها، تتحدث عن نشأته وتأثير والده منذ الصغر عليه وكيف بدأ مطربا وأول لحن قدمه لفايدة كامل وعلاقته التي نشأت مصادفة بعبد الحليم حافظ من خلال لحن ليلى مراد «تخونوه» الذى أخذه ليغنيه في فيلم «الوسادة الخالية»، وكيف قفز بأم كلثوم لخمسين سنة مقبلة من الغناء؟ .. كما قال لها محمد فوزى، وكيف أن رياض السنباطي عاتب أم كلثوم على غنائها لأول لحن لبليغ؟ .. وكيف جدد وطور موسيقى الست؟ .. وكيف أن أم كلثوم كانت المطربة الأولى في شركة أسطوانات محمد فوزى وهو الذى أصر أن تسمع ذلك الشاب القادم بموسيقى مختلفة، ونسيانه أول ميعاد بينهما ودخول محمد فوزى عليه فى بيته ليوقظه لأن الست في انتظاره! .. ومروراً بألحانه الشعبية التي طور فيها الغناء، وغِيرة عبد الحليم من نجاح أغنية «عدوية» لمحمد رشدي، وقراره أن يأخذ الثنائي الأبنودي وبليغ ليلحنا له بعد نجاح «عدوية» الجارف الذي غطى وقتها على مبيعات أم كلثوم في السوق.

في هذا العدد اخترت لكم اثنين من كبار الشعراء اللذين تعاون معهما بليغ، بالطبع الأسماء التي تعامل معها كانت طازجة مثل الأبنودي ومحمد حمزة، ولكن أردت أن أقدم لكم قصة بليغ مع عبد الرحيم منصور وحكاية الشاعر سيد مرسى، وقبل الحديث أود الإشارة إلى أن شهر أكتوبر شهر ميلاد عمالقة في التمثيل والغناء والأدب أيضاً، فالمطرب محمد منير مواليد 8 أكتوبر وكذلك الفنانة صفاء أبو السعود والفارس أحمد مظهر والكاتب الراحل توفيق الحكيم من مواليد أكتوبر.

1- كيف ولدت عبرنا الهزيمة وأيقونة أكتوبر الربابة؟

عبد الرحيم منصور ولد في دندرة بمحافظة قنا 1941 وتوفى 1984 بدأ حياته الفنية في أوج الحراك السياسي لمصر وكذلك الثقافي، عبدالرحيم منصور كتب «بسم الله .. الله أكبر» نشيد العبور الذى مازالت كلماته تزلزل المشاعر بألحان بليغ حمدي لنصر أكتوبر، وذهب لبيته بعد ساعات طويلة وأيام قضاها بالإذاعة للانتهاء من الأغنية، وتوجه لبيته حتى ينام وما أن بدأ ينام حتى سمع باب بيته يكاد ينكسر من الطرق عليه، وما بين الطرقات الشديدة والاستسلام للنوم قام ليفتح الباب ليجد أمامه بليغ حمدي وهو بمشاعر متدفقة يقول له: لقد انتصرنا يا عبد الرحيم .. عبرنا القناة، أخذ عبد الرحيم منصور يفرك عينيه حتى يستوعب كلام بليغ وقال: «يا بوى لو الواحد كان في البلد الآن يا بليغ» فرد عليه بليغ: «لو كنت في البلد كنت عملت إيه يا عبد الرحيم؟» قال له: كنت مسكت ربابة ولفيت الشوارع شارع شارع أنشد وأغنى»، لحظتها التقط بليغ الكلمة من فم عبدالرحيم وقام باستحضار ورقة وقلم، وقال له: اكتب الكلام دا يا عبدالرحيم، نظر له عبدالرحيم منصور قائلا: الآن يا بليغ؟ .. فرد: نعم ومش خارج إلا لما تخلص الكلمات عشان ألحنها، فرد عبدالرحيم، لكن أنت زيي لم تنم منذ أربعة أيام، رد بليغ: ولو حتى شهر اكتب يا عبدالرحيم، فخرجت «حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة بلادي وأنا على الربابة بغنى ما أملكش غير انى أغنى وأقول تعيشي يا مصر»، تلك الأغنية التي ولدت لتعيش أجيالاً وأجيالاً لتصبح مع «بسم الله» و«عبرنا الهزيمة» التي التقط كلماتها بليغ حمدي من مقال منشور كتبه الأستاذ الراحل توفيق الحكيم، الذى نحتفل كما سبق وذكرت بذكرى مولده في هذا الشهر أيضاً، أخذ بليغ العنوان وذهب به لعبدالرحيم منصور ليصيغ أجمل ما غنت شادية «يا مصر» ليقول الحكيم بعدها تعليقه الشهير: لقد عبّرت عن عبورنا للهزيمة يا بليغ أنت وعبدالرحيم أحسن منى. هكذا كانت الروح روح أكتوبر في هذا الجيل وبين كل طبقات شعبه.

2- أولى أغاني عفاف والحجار وعمرو دياب بتوقيع منصور

عبدالرحيم منصور كما كان أول شاعر كتب نشيد الجبهة «بسم الله» وحرك مشاعر الملايين بموسيقى بليغ و«الربابة» أيقونة العبور و«عبرنا الهزيمة» لشادية، كما كتب لها «يا أم الصابرين يا أمنا يا مصر يا أرضنا يا مصر يا عشقنا» نجد أغانيه الوطنية سهلة مثل مزيكا بليغ فدخلت القلوب وعاشت للآن، وهى أغانٍ وطنية مختلفة عن المرحلة التي كتب فيها منصور أو حتى أثناء مسيرته الفنية فلها مذاق مختلف، فالمفردات بسيطة خرجت من القلب فدخلت القلب وأغاني منصور كانت سبب نجاح مطربين ومطربات كثيرين وحوّلت مراحلهم الغنائية لأزهى عصورهم، بل قدمت مطربين أصبحوا عظماء مثل على الحجار في أغنية «على قد ما حبينا» التي غناها 1977، ولقد عدنا لتاريخ عمرو دياب فوجدنا أن أول أغانيه كانت من نصيب عبدالرحيم منصور وهى أغنية «يا طريق يا طريق» وتم غناؤها في ألبوم يحمل اسم ذات الأغنية، ومن تجارب عبدالرحيم الشهيرة لنجاة «أنا بعشق البحر» وكان من المفترض أن تكون من نصيب محمد منير، ولكن ما أن سمعتها نجاة حتى أصرت على غنائها وقد غناها منير بعد سنوات طوال ليحقق أمنيته بغنائها.

أما تجاربه مع عفاف راضي وبليغ فصنعت مجدها الفني في أغانيها «تساهيل وكله في الموانى، ويمكن على باله حبيبي، وتعالى جنبي» وكانت تجربة عبدالرحيم منصور مع محمد منير مميزة، وأثمرت أجمل أغانيه مثل «شجر الليمون وافتح قلبك» وصدق كلام عبدالرحيم منصور جعل يوسف شاهين يستعين به في فيلم «حدوتة مصرية» بصوت منير وهى تعبر عنه كاملاً لدرجة جعلت يوسف شاهين يطلب أن يكتب على قبره كلمات منصور «لا يهمني اسمك ولا يهمني عنوان يهمني الإنسان» لأنها تعبر عن فلسفة يوسف شاهين في الحياة، وطبعاً وردة كان لها نصيب كبير وناجح من أغاني عبد الرحيم منصور مثل «بكرا يا حبيبي، وسلام على الناس الحلوين» وإذا تحدثنا عن أشهر أغاني أعياد الميلاد سنجدها «انزل يا جميل في الساحة» لوليد توفيق، وهى كلمات عبدالرحيم منصور وكانت تلك الأغنية صاحبة الفضل في نجاح وليد، والتي للآن تغنى في كل أعياد الميلاد حتى أصبحت شبه الأغنية الرسمية لأعياد الميلاد.

3-  سيد مرسى المكوجى الذى أصبح أشهر شعراء العامية

حكاية لطيفة وددت أن أنشرها هنا منذ شهور كانت قد وصلتني وظللت أقرأ وأبحث فيها من شدة طرافتها وعدم تصديق العقل لها، وهى أن ذات يوم بينما يهم الشاعر الكبير مأمون الشناوي بارتداء ملابسه وبينما يضع يده في جيب الجاكت الذى يرتديه، وجد ورقة مطبقة، وبعد أن فتحها وجد كلمات جميلة مكتوبة، لكن الخط ليس خطه، فنادى الخادمة وسألها عن تلك الورقة وكيف وصلت لجيب الجاكت الخاص به؟ .. توترت الخادمة، ولما شعر بالتوتر عليها أعطاها الأمان، وقال لها: مش هعمل حاجة، لكن إذا قلتِ من صاحب هذه الورقة سأكافئك. واعترفت الخادمة بأن هذه رسالة قادمة لها ووضعت في ملابسه من المكوجى حتى تقرأها، حيث إنهما على خصام ولا ترد عليه، فطلب منها أن يرى ذلك المكوجى، حيث من غير المعقول أن يكتب كلمات عذبة هكذا لها، فقامت على الفور بمناداته، وجاء بين يدي مأمون الشناوي الذى سأله: هل هو صاحب هذه الكلمات؟ فقال: نعم، وعندي كلمات كتبتها أكثر وأكثر، فأعجب مأمون بها، وقال له: دا أنت مكوجى شاعر بقا، وكانت كلمات الرسالة التي أرسلها للخادمة ليصالحها بعد أن قررت هجره «على الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين» تلك الكلمات التي أصبحت أشهر ما تغنى به عبد الغنى السيد فيما بعد لتصبح تلك الخادمة سبباً في تحويل مسار حياة حبيبها من مكوجى لشاعر كبير هو سيد مرسى، ومن عجائب الأقدار أن سيد مرسى لم يتزوج سبب السعد عليه، ولما وجدت أن أحد أبطال تلك الرواية هو الشاعر مأمون الشناوي، فسألت ابن شقيقه الناقد الكبير طارق الشناوي عن تلك الرواية، فقال: أنا سألت عمى مأمون عنها فقال: حدثت لكن سيد مرسى عندما اشتهر كان ينكرها ربما لأنه لا يريد أن يقول إنه بدأ حياته مكوجياً، وكان يروى رواية أخرى أنه كان يشعر أنه موهوب وكان يعرف مكان نقابة الصحفيين وكانت محفظة قد وقعت من جيب أحد الشعراء ووجدها فلما وجدها أخذها وسلمها له ووضع فيها إحدى كلمات أغانيه التي يكتبها، فلما فتح الشاعر المحفظة وجد فيها خطاباً بغير خطه، المهم أراد الشاعر أن يكافئ سيد مرسى فرفض تقاضى شيء وطلب منه فقط أن يبدى رأيه في كلمات الخطاب الموجود، فإذا عجبه يساعده في تقديم أشعاره، لكن طارق يميل للرواية الأولى بالفعل، خاصة أنه كان قد سمع بها وسأل عمه عنها ولأن سيد مرسى كلماته تغنى بها كبار مطربي ومطربات مصر فيما بعد فأصبح لا يود ربط اسمه بمهنة يعتبرها بسيطة أو تقلل من “برستيجه”.

سيد مرسى كتب أنجح أغاني محرم فؤاد التي لحنها بليغ حمدي «كله ماشي وآدي حالك يا هوا» ولنجاة من ألحان بليغ «سلم على وما يصعبش عليك غالى وعلى فين» لماهر العطار و«ردوا السلام وآه يا ليالي» لبليغ و«النبى وحشتنا» لشادية ألحان بليغ و«مسا الجمال» التي غنتها ليلى مراد ثم تغنت بها لطيفة فيما بعد، وكانت أول أغاني لطيفة ألحان بليغ حمدي و«سلم علىّ» ألحان بليغ لفهد بلان، أما وردة فقدم الثنائي سيد مرسى وبليغ أجمل أغانيها «مادريتوش، واشتروني، وليالينا، وأولاد الحلال، وحشتونى، وخليك هنا خليك، واسمعوني، واحضنوا الأيام»، ولميادة الحناوي من ألحان بليغ كتب سيد مرسى «أنا أعمل إيه، وفاتت سنة، وأول آخر حبيب» بالطبع بخلاف عشرات الأغاني لمطربين آخرين ليست من ألحان بليغ لفايزة أحمد ومحمد فوزى وهدى سلطان وفاطمة على، لكن أنجح أغانيه على الإطلاق كانت من تلحين بليغ حمدي، ولا يمكن تجاهل أسماء شعراء كبار كتبوا لبليغ مثل مجدى نجيب ومرسى جميل عزيز ومحمد حمزة والأبنودي، رحم الله الجميع من أبناء القوى الناعمة لمصر.

شهيرة النجار