- وَفَاةُ السَّيِّدِ الْكَبِيرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه-:
فَلَمَّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه- فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي، وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، وَشَفَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ، انْفَجَرَ جُرْحُهُ -رضي اللَّه عنه- فَمَاتَ.
وَكَانَ سَعْدٌ -رضي اللَّه عنه- قَدْ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُمِيتَهُ حَتَّى يُقِرَّ عَيْنَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ حِينَ نَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- مِنَ الْعُهُودِ، وَالْمَوَاثِيقِ، وَمَالُوا عَلَيْهِ مَعَ الْأَحْزَابِ .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” . . . وَرَمَى سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ العَرِقَةِ، بِسَهْمٍ، فَأَصَابَهُ فِي أَكْحَلِهِ فَقَطَعَهَا، فَدَعَا سَعْدٌ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ ” مسند احمد وصحيح ابن حبان بسند حسنٍ
وَفِي رِوَايَةِ : قَالَ جَابِرٌ -رضي اللَّه عنه-: ” رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَطَعُوا أَبْجَلَهُ (عِرْقٌ في بَاطِنِ الذِّرَاعِ)، فَحَسَمَهُ (أي كَوَاهُ لِيَقْطَعَ دَمَهُ) رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ ( كواه ) أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ ، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً ( توقف منه نزيف دمه ببركة دعاؤه ) حَتَّى نَزَلُوا ( يهود بني قُريظة ) عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. . . فَلَمَا فَرَغَ مِنْ قتلِهِمُ انْفَتَقَ (انفتح جرحه مرة ثانية ونزف دمه) عِرْقُهُ فَمَاتَ ” اخرجه الطحاوي في مشكل الاثار . - إِخْبَارُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- بِوَفَاةِ سَعْدٍ -رضي اللَّه عنه-:
فَلَمَّا مَاتَ -رضي اللَّه عنه- نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه واله وسلم – بوَفَاتِهِ .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-، فَقَالَ : مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الذِي مَاتَ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءَ، وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-، فَإِذَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ – رضي اللَّه عنه -” أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار بسند صحيح .
• إسراع الرسول صلى الله عليه واله وسلم للوصول إلى سعدٍ رضي الله عنه – قبل انّ تُغسلّه الملائكة :
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ -رضي اللَّه عنه- يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَثَقُلَ( اشتد ألمه) ، حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، فَكَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُولُ: “كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ “، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: “كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ “، فَيُخْبِرُهُ، حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ التِي نَقَلَهُ قَوْمُهُ فِيهَا فَثَقُلَ، فَاحْتَمَلُوهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ إِلَى مَنَازِلهِمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- كَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: قَدِ انْطَلَقُوا بِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ شُسُوعُ (الشِّسْعُ: هو أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ، وهو الذي يُدْخَلُ بَيْنَ الأُصْبُعَيْنِ) نِعَالِنَا، وَسَقَطَتْ أَرْدِيَتُنَا عَنْ أَعْنَاقِنَا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتْعَبْتَنَا فِي الْمَشْي، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-: “إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ فتغَسِّلَهُ كَمَا غَسَّلَتْ حَنْظَلَة”.
• بكاء أم سعد – رضي الله عنهما – على سعد :
فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- إِلَى الْبَيْتِ، وَسَعْدٌ يُغَسَّلُ وَأُمُّهُ تَبْكِي، وَهِيَ تَقُولُ: وَيْلَ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدًا … حَزَامَةً وَجِدًّا (وهذا الكلام كناية عن التَّشْمِيرِ للأمرِ والاستعدادِ لَهُ)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-: “كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إِلَّا أُمُّ سَعْدٍ” (أخرجه ابن سعد في طبقاته – وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة – وصحح إسناده.).
• دعاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد تغسيله :
ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأْسَ سَعْدٍ -رضي اللَّه عنه- فِي حِجْرِهِ، وَقَالَ: “اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْدًا قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِكِ، وَصَدَّقَ رُسُلَكَ، وَقَضَى الذِي عَلَيْهِ، فَاقْبَلْ رُوحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ بِهِ الْأَرْوَاحَ” مسند احمد باسناد صحيح.
*- شهود ملائكة لم تنزل الأرض من قبل – لجنازة سعد – رضي الله عنه .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: “لَقَدْ هَبَطَ يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَهْبِطُوا قَبْلَ ذَلِكَ” أورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ، وعزاه إلى البزار، وقال: وهذا إسناد جيد (1).
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون – مصدر سابق .
شهيرة النجار