كيف يخلق لنا الجمال والشهوة ثم يقول لنا غضوا أبصاركم
وتعففوا، هل هذا معقول ؟؟؟!
بل هو المعقول بعينه، فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك، لتقوده وتخضعه لا ليقودك هو ويخضعك، وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتلجمه وتستخدمه لغرضك، وليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه وأن يقودك هو لشهواته، ومن هنا كان التحكم فى الشهوة وقيادة الهوى ولجام المعدة هى علامة الإنسان.
العمل الذى خلقنا الله من أجله والتكليف الذى كلفنا به هو أن نركب هذه الجسد البالي مهاجرين إلى الهدف، إلى الله، إليه وحده فى كماله،
«يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه» و«ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» والعبادة لا تكون إلا عن معرفة، فالحياة رحلة تعرف على الله وسوف يؤدى بنا التعرف على الله وكمالاته إلى عبادته، هكذا بالفطرة ودون مجهود.
وما الصيام إلا التمرين الأول فى هذه الرحلة، إنه التدريب على ركوب الفرس وترويضه وتطويعه بتحمل الجوع والمشقة وهو درس الانضباط والأدب والطاعة، وهذه المعانى الراقية «الجميلة» ليس منها ما نعرف فى صيام اليوم من فوازير ونكات وهزليات وصوان ومكسرات وسهرات، وإنما الصائم يفرغ نفسه للذكر والقرآن وليس للتليفزيون والأفلام والمسلسلات..
ويخلو للصلاة وقيام الليل وتلاوة القرآن وتدبر معانيه وليس للرقص وترديد الأغانى المكشوفة، وقد كان رمضان دائماً شهر حروب وغزوات واستشهاد فى سبيل الله، فكانت غزوة بدر فى رمضان، كما كانت حرب التتار فى رمضان، وحرب الصليبيين فى رمضان.
وهنا يجب علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً ..
ما هي علاقة الصيام بالقرآن الكريم ؟؟؟!
لم يقل الله سبحانه شهر رمضان الذي فرضت فيه الصلاة !!
ولم يقل شهر رمضان الذي فيه صلاة التروايح !!
ولم يقل شهر رمضان الذي فرض فيه الصيام !!
ولم يقل شهر رمضان الذي فيه ليلة القدر !!
ولم يقل شهر رمضان الذي تجتمع فيه العبادات !!
ولم يقل شهر رمضان الذي تكثر فيه الصدقات !!
ولم يقل شهر رمضان الذي فيه زكاة الفطر !!
ولم يقل شهر رمضان الذي تنتشر فيه الفوانيس !!
ولم يقل شهر رمضان الذي تكثر فيه الأطعمة !!
بل قال (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ..
إن النفس البشرية عبارة عن جسد وروح ..
وغذاء الجسد معروف .. غذاء مادي .. طعام وشراب ..
لأن الجسد هو بناء مادي .. تراب وماء .. والروح ليست مادة
لكننا نحسّ بها ونشعر بها .. لذلك فإن غذاء الروح هو غذاء معنوي
وليس مادي ..
وقد وصف الله سبحانه وتعالى القرآن العظيم بأنّه روح ..
فقال جل في علاه ((وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)) ..
ووصف أمين السماء جبريل بأنه روح .. فقال سبحانه
((نزل به الروح الأمين على قلبك)) ..
وحتى تجد الروح البشرية طريقها إلى غذائها وهو القرآن العظيم ..
فعلى الجسد أن يقلل من غذائه المادي لكي تستطيع الروح أن تتحرر من أغلال المادة التي تجذبها إلى الأرض وبذلك تكون قادرة على أن ترتفع وتسمو نحو غذائها المعنوي وهو القرآن العظيم !!
لذلك كثيراً ما يذكر الله سبحانه وتعالى القلوب ويذكر كيفية علاجها
في كتابه العظيم .. فيقول ((أم على قلوب أقفالها)) ؟؟
والقلب هو باب الروح .. والقلوب عندما تنشغل وتشتغل بالدنيا فإن أبوابها تكون مقفلة بوجه غذاء الروح .. وروح الروح .. وهو القرآن العظيم !!
لذا جاء الصّيام ليقلل من غذاء الجسد لشهر واحد فقط في كل عام لكي تستطيع الروح أن تتزوّد من غذائها الذي يعينها على أداء ما هو مطلوب منها بقيّة العام !!
ففي رمضان انت تترك الحلال الذي أحلّه الله تعالى لك.. لكي تكون قادرا على ترك الحرام بعد رمضان !!
فشهر رمضان هو دورة تدريبية، تطويرية، تعليمية لتدرب نفسك فيها على ترك الحلال حتى تكون قادراً بعد ذلك على ترك الحرام بعد انتهاء شهر رمضان المبارك!
فالطعام الذي تاكله والشراب الذي تشربه كلٍ يوم وفي كلّ ساعة، هو رزق من الله سبحانه وتعالى، هذا الرزق يصبح حراماً عليك في نهار شهر رمضان المبارك والزوجة التي أحلّها الله سبحانه وتعالى لك، تصبح محرّمة عليك في نهار شهر رمضان المبارك !!
فهو تدريب قوي لك حتي إذا انتهي رمضان كان أسهل عليك ترك الحرام في باقي شهور العام مستعينا بذلك علي الله سبحانه وتعالي من خلال القرآن لتعلو وتسمو روحك وتغذيها بكلام الله حتي تصبح قرآنا يمشي علي الأرض أسوة برسول الله صل الله عليه وسلم
ذلك هو الصيام الرفيع
ليس تبطلا، ولا نوما بطول النهار
وسهرا أمام التليفزيون بطول الليل
ليس قياما متكاسلا فى الصباح إلى العمل
وليس نرفزة وضيق صدر وتوترا مع الناس
فالله لا يقبل مثل هذا الصيام، ويرده على صاحبه
ولا يقبله، فلا ينال منه صاحبــــــه إلا الجـــــوع والعطش..
فاعقد العزم والنية بينك وبين الله عز وجل من الآن أن يكــــون رمضان هذا العام مخلتفا تماماً عليــــــــك وان يكـــون خالصـا لله بتدبر وتلاوة القرآن وانك ستخرج منه ليس زائداً في الوزن.. انما زائدا في القــــــــدر والمكانــــــــة عند الله عز وجل..
اللهم فهمنا وعلمنا القرآن
اللهم اجعلنا من أهل القرآن
شهيرة النجار