يقولُ العارف بالله مُحيي الدِّينِ بنُ العَربيِّ في الفُتوحاتِ المكِّيَّةِ:
إنَّ اللهَ قد خَلَقَ القلوبَ قبلَ الأجسادِ بألفِ عامٍ، فجعلَها في مقامِ القُربِ.
ثمَّ خَلَقَ الأرواحَ قبلَ القلوبِ بألفِ عامٍ، فجعلَها في مقامِ روضةِ الأُنسِ.
ثمَّ خَلَقَ الأسرارَ قبلَ الأرواحِ بألفِ عامٍ، وجعلَها في مقامِ الوصلِ والقُربَةِ.
ثمَّ خَلَقَ اللهُ الأنفُسَ قبلَ الأسرارِ بألفِ عامٍ، فألهمَها فجورَها وتقواها، ثمَّ جعلَها في مقامِ الحيرةِ يُقلِّبُها كيفَ شاء.
ثمَّ تجلَّى على السِّرِّ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ثلاثَ مئةٍ وستِّينَ مرَّةً بكشفِ جَمالِهِ وجلالِهِ.
ثمَّ تجلَّى بمحبَّتِه على الرُّوحِ فهامتْ.
ثمَّ أودعَها القلبَ في صورةٍ لطيفةٍ من لطائفِ القُربِ.
فنظرَتِ النفسُ في كلِّ هذا الكونِ، فلم ترَ أحدًا أكرمَ منها، فظهرَ فيها زهوٌ وفخرٌ وكِبْرٌ، واللهُ أعلمُ بها، فأرادَ الحقُّ تعالى أن يمتحنَها.
فحبَسَ السِّرَّ في الرُّوحِ.
وحبسَ الرُّوحَ في القلبِ.
وحبسَ القلبَ في الجسدِ.
وتركَ النفسَ حرَّةً تسبحُ بالجسدِ كلِّه بعدَ أنْ ألهمَها فجورَها وتقواها (فحارتْ)!!!
ثمَّ ركَّبَ العقلَ في القلبِ.
وأرسلَ الأنبياءَ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، وهم مصحوبونَ بمرادِ ربِّهم فيهم، فبحثَ كلُّ واحدٍ منهم عن مقامِه.
ثمَّ أمرَهم الحقُّ جلَّ وعلا بالصَّلاةِ، حتى صارَ نعيمُ الجسدِ في الصَّلاةِ، وسُلوةُ القلبِ في المحبَّةِ.
واتَّصلتِ الرُّوحُ بمعارجِ القُدسِ والقُربَةِ، حتى وصلَتْ إلى حظيرةِ القُدسِ الأعلى.
واستقرَّ سرُّها في عالمِ النورِ الدائمِ والجمالِ القائمِ على بساطِ الأُنسِ والمحبَّةِ في حضرةِ ربِّ العالمين.
ابنُ العربيٍّ « الفتوحات المكِّيَّة »
شهيرة النجار