يقول معظم أتباع الدسوقي أن شيخهم لما بلغ من العمر سنة؛ أقعد أرواح أولياء الله الطيارة في الأرض، ولما بلغ سنتين؛ علّم المسلمين من الجن قراءة القرآن، ولما بلغ التاسعة من عمره؛ فك رموز وطلاسم السماء، ولما بلغ اثنتي عشر سنة؛ نقل مريديه -أي التواقين إلى حضور مجالس علمه- من النار إلى الجنة، ولما بلغ ثلاث عشرة سنة؛ أصبحت الدنيا كلها كالخاتم في أصبعه يقلبها كيف يشاء، ولما بلغ خمس عشرة سنة؛ خاطب الملاك جبريل (جبرائيل)، ولما بلغ ست عشرة سنة جاوز سدرة المنتهى في السماء السابعة، ولما بلغ من العمر سبع عشرة سنة؛
رأى ما خطه القلم في اللوح المحفوظ وما يخطه مرأى العين.
وقد دخل خلوته في سن ثلاث سنين ليتعبد، وخرج منها في سن ثلاث وعشرون سنة ليدفن والده أبو المجد بقرية مرقس
بلدة والده المقابلة لمدينة دسوق في الضفة الغربية لنهر النيل – فرع رشيد
فحلف عليه بعض الفقراء والمساكين ألا يدخلها، فجلس تجاهها فعطلت أحوال سائر الناس واشتغلوا بالنظر إليه، وبسبب ذلك أرخى برقعاً على وجهه.
ولذلك منسوب له أبيات من الشعر عن نشأته تقول:
نعـم نشـأتي في الحـب من قـبل آدم وسـرّي في الأكوان من قبل نشأتي
على الدرة البيضاء كان اجتماعنا وفي قاب قوسـين اجـتماع الأحـبة
وكُــــلّ وليّ للإلـــــه مؤيـــــدٌ يـــشهد أني ثـابت في ولايـــتي
أنا القطب شيخ الوقت في كل مذهـب أنا السيد البرهان شيخ الحقي
الظاهر بيبرس يعينه شيخاً للإسلام
وقد سطع نجمه في العلوم والمعارف وانتشرت طريقته حتى وصل صيته إلى كل أرجاء البلاد، منذ أن ترك الخلوة وتفرغ لتلاميذه، ولما سمع السلطان الظاهر بيبرس البندقداري بعلم الدسوقي وتفقهه وكثرة أتباعه والتفاف الكثيرين حوله، أصدر قراراً بتعيينه شيخاً للإسلام، فقبل المنصب وقام بمهمته، وكان يهب راتبه من هذه الوظيفة لفقراء المسلمين، كما قرر السلطان بناء زاوية يلتقي فيها الشيخ بمريديه يعلمهم ويفقههم في أصول دينهم، وهي مكان مسجده الحالي، وظل الدسوقي يشغل منصب شيخ الإسلام حتى توفي السلطان بيبرس، ثم اعتذر عنه ليتفرغ لتلاميذه ومريديه.
صدام مع الملك الأشرف خليل بن قلاوون
وقد حدث صِدام بين الدسوقي والملك الأشرف خليل بن قلاوون بعد توليه حكم مصر، بسبب فرض الحاكم المزيد من الضرائب الغير مبررة على رعايا الدولة، فبعث له الدسوقي رسائل ينصحه فيها ويزجره ويطلب منه الرحمة بالناس وإقامة العدل.
فروى المبغضون للدسوقي ووشوا به عند السلطان، وأغروه بقتله حتى لا يُحدِث فتنة في البلاد، فبدأوا بإرسال طرد من شهد مسموم كهدية من السلطان للدسوقي، فتسلم الدسوقي الهدية ثم جمع فقراء المدينة، وقال لهم: «هذا شهد إن شاء الله تعالى، كُلوه ولا مبالاة بإذن الله». فأكله الفقراء ولم يؤثر في أحد
بحسب ما روُي في كتب الصوفية.
وفي المرة التالية أرسل له السلطان أحد الأمراء ليقابله، وهو الأمير عز الدين. فركب الأمير إلى دسوق، فلما وصل؛ نصب خيمته على شاطئ النيل، وأرسل أحد أتباعه ليستدعي الشيخ للمثول بين يديه، فأرسل الشيخ من قبله من يقول له: «اجلس في خيمتك». فلم يقدر الأمير على الحركة وأصبح مشلولاً، وأبطأ خبره علي السلطان، وكثرت الشائعات وأصبحت المسألة مسألة تتعلق بكرامة السلطان وهيبته التي أصبحت في الميزان، فإما أن يقتل الشيخ أو يذله على الأقل، وإما أن يعترف بأنه أقل من أن يخضع أحد رعاياه لسلطانه.
وأرسل السلطان وفداً من قبله ومعهم سَبَّاع يرافقه سبع يلقي إليه من يغضب عليهم السلطان
ولما وصلوا إلى دسوق وعلموا بأمر الأمير، قصدوا خلوة الشيخ، فلما اقتربوا من خلوته خرج لهم الدسوقي، فهاج الأسد وقطع الطوق من رقبته وذهب شطره، فخشي عليه مريدوه، فطمأنهم قائلاً: «إنه لا يفترس إلا الغافل». وحسب ما تقول الروايات أن الأسد كاد أن يفترس الوفد المرافق له، وجرت أمور بعد ذلك علم منها السلطان أنه وقع في حبائل الوشاة،
ورأى السلطان إنه من الأفضل أن يسافر إلى دسوق ليتعذر للدسوقي عما حدث، ثم عرض عليه ما شاء من العقار والمال، فرفض أن يطلب شيئاً لنفسه، وطلب من السلطان أن يترك نصف جزيرة الرحمانية المواجهة لدسوق للفقراء ينفقون منها على مصالحهم، فوافق. فبشره الشيخ بالنصر على الصليبيين في عكا. ويقول المتصوفة إن بعد رجوع السلطان من عكا منتصراً، أصبح يكاتب الدسوقي، ويبدأ رسالاته بعبارة “مملوكك خليل
ويري بعض الصوفيين أن الدسوقي يمكن تصوره مُسلماً طيباً مُباركاً، علمه والده واهتم به منذ أن كان صغيراً وكان نبوغه ظاهراً للجميع، خصوصاً بعد أن أتم حفظه القرآن وتفقّه على مذهب الشافعي، لذلك بُنيت له خلوة بدسوق مكان ضريحه الآن
شهيرة النجار