الجمعة, أكتوبر 18, 2024
بورتريه

الأرمنية والجريدة

شارك المقال

هناك أشياء في حياة الإنسان. دايماً مع تغير الزمن والوجوه وملامح الشوارع تظل تلك الأشياء ان مر عليها ووجدها كما هي تبهجه وتسعده رغم بساطتها تعيد إليه كل شريط الحياة والذاكرة بحلوها ومرها فما بالنا لو كانت تلك الذكريات في مكان مرتبط بالكفاح وهو مكان مبهج في ذاته
قلب منطقة محطة الرمل
تحديداً محل مواجه للبنك المركزي منطقة البنوك الشارع الذي يوجد به النقابة الفرعية وكل فروع المؤسسات الصحفية الكبري

سيدة أرمنية تبيع المشغولات التي صنعتها بيدها من التريكو والكورشيه
كوفيات
طواقي
بلوفرات أشياء تشعرك ان مصر لسه بالأبيض والأسود وان زمن الرقي الناعم موجود في تلك الأمتار هي مساحة محلها الذي كافح الزمن ليبقي كما هو بكل تفاصليه وجدارانه وادراجه حتي صورة عبد الناصر خلفها
ومع تلك الأشياء تبيع نوادر من الفولارات والأطقم للأطفال
اعتدت المرور عليها منذ سنوات طوال
كانت ولازالت تفتح محلها يومان فقط بالأسبوع
تتغير الملامح وهي كما هي بملامحها الأرمنية الشعر الأسود الفاحم والعيون السوداء الواسعة والبشرة البيضاء الصافية
سيدة مكافحة مثقفة مصرية طبعاً بحكم المولد بمصر منذ 200 عام لأجدادها تتحدث العامية العربية والأرمنية والإنجليزية بكل سلاسه ولكن لما تنكشها بس تتكلم أرمني مع الحبايب بس
لا تضع تليفون داخل محلها ولا تحمل موبايل
لا أدري السبب
الشارع حولها تبدل والعمارة الكبيرة التي كان فيها أشهر محل أزياء حريمي مستورد تهدمت واشتراها صاحب المحل ذاته
معالم المحلات لازلت محتفظه ببعض من تاريخها لكن نشاطها يساير الزمن
لكن قباب البنوك حولها يميناً ويساراً منذ نشاتها من 100 عام
أما هي فكل شيء في محلها البسيط رغم اتساع مساحته كما هو
لا تريد ان تغير أو تبدل شيء
تعرف ان لها زبونها الذي يريد ما تقدمه

أمس مررت فوجدت محلها مفتوحاً دخلت لازوها رغم اني لا أريد شراء شيء فكل ما تعرضه موجود عندي من محلها وصنيعة يدها ولا يتغير
وإذا بعيني تلمح جريدة ورقية

بالأرمني دي؟
أجابت نعم
دي جرنال بينكم وبين بعض كطائفة ارمنية موجودة؟
ايوا
طب لسه بتطبع ليه وموجود وسايل تواصل أسهل كالفيس بوك مثلا أو عمل ويب سايت؟
أجابت تعودنا علي القراءة
قلت لها كيف تصلك؟
قالت ان طريق البريد
تفحصت الجريدة المكونة من 3ورقات كبيرة وجدت طابع البريد عليها. فقلت ياااه كل هذه المشقة من أجل الترابط بينكم؟
قالت نعم


استأذنتها في نسخة حديثة ضحكت وقالت لي هتقري أرمني إزاي؟
قلت لها في ثواني
فتحت الموبايل.
جوجل دريف وصوبت الكاميرا علي الفقرة التي أريد ترجمتها وضغت ترجم
الحقيقة دي كانت أول مرة أقوم بهذه التجربة الجملية جداً
وجدت الموبايل يظهر لي هذه لغة أرمنية أتريد الترجمة للعربية؟
ضعت نعم
في أقل من ثانية وجدت الفقرة أمامي تحولت سطورها من الأرمنية للعربية
وأخذت اقرأ بصوت عال وأقول لها المكتوب صح؟


ردت ايوا
وخرجت من خلف الكونتوار مهرولة في ذهول وقالت لي وريني كدا عملتي دا إزاي؟
قعدت أشرح لها بساطة الأمر
وأن التكنولوجيا بسطت كل شيء
وترجمة المكتوب يدل ان الخبر عن شخصية أرمنية مصرية وهي صاروخان رسام الكاركاتير الشهير وغيرها من الأخبار لا تستدعي طباعة ودفع مبالغ للطباعة والإرسال عبر البريد
فقط بضغطة زر يمكن معرفة كل أخبار الطايفة في أنحاء مصر وإسكندرية عبر جوجل بل في العالم كله

السيدة التي كانت تعاند معي سنوات طوال عديدة وتجادلني بل ترهقني في جدالها
فجأة قالت لي وهي ناظرة في ذهول
تخيلي موقف حدث في ثوان
جعلني أقرر حتما قراءة تغيرات الزمن حولي وتغيير البوصلة


لقد مكثت عمري كله هنا داخل المحل وبين أسرتي ومجتمعنا محاولة تلاشي استيعاب اي تغير
بحركة الترجمة للجرنال دي في ثوان ايقنت
ان عجلة الزمن هرولت
قلت لها دا مش بترجم بس دا تضغطي تسمعي الجرنال المترجم مسموع بدل ما توجعي عينك وتلبسي نظارة
نظرت لي في صمت وقالت
هل خرجنا من زمننا بهذه السرعة أم نشاهد فيلم سمير وشهير وبهير؟!!!

شهيرة النجار

Welcome to حكايات شهيرة النجار

Install
×