5 يناير 1961 ..
وفاة بيرم التونسي ( أمير شعراء العامية ) ..
هو شاعر مصري ذو أصول تونسية ، قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي : ” أخاف على الفصحى من عامية بيرم ” ..
نشأته :
ولد محمود محمد مصطفى بيرم في 4 مارس 1893 ، في حي الأنفوشي بالأسكندرية بشارع البوريني بالسيالة ، ويلتقي بيرم ذات يوم بأحد البنائين الذين يأتون لخاله في نهاية الأسبوع لأخذ أجرتهم ، وتجاذب الحديث معه ، فروي له البناء قصة «السلك والوابور» وهي محاورة خفيفة الظل بين التلغراف والقطار ، ويعشق بيرم حديث هذا البناء فينتظره كل أسبوع ، ليروي له بعض القصص الشعبية التي يحفظها ، وتتطور تلك الهواية عند بيرم ، إلي حد أنه أصبح لا يكتفي بسماعها وبدأ يقتصد من مصروف يده ليشتري به من مكتبات هذا الحي كتب الأساطير الشعبية مثل «ألف ليلة وليلة» ، «أبوزيد الهلالي» ، «عنترة» ، و«سيف بن ذي يزن» ، وغيرها ، كما أقبل علي شراء دواوين الشعر ، إلي أن وقع في يده مجموعة من أشعار إبن الرومي ففُتن بها وعدها أمتع ما قرأ ، وتعلم منها – كما كان يقول دائمًا – روح الهجاء ..
ويكتمل إرتشاف الطفل من الفن والأدب عندما يسكن في منزلهم أستاذ تركي إسمه محمد طاهر ، وقد رأي في بيرم ميله للشعر فأهداه كتاباً في فن العروض ، وكان هذا الكتاب نقطة تحول في حياته فما كاد يقرأه حتي بدأ محاولاته في عمل بعض الأزجال والأشعار ..
تعليمه :
التحق بيرم بكُتاب الشيخ جاد الله ، حينما أتم الرابعة من عمره ، وكانت عقدة بيرم أنه بليد في الحساب ، لا يعرف كتابة السبعة من الثمانية ، لذا لم ينج من وطأة الفلقة في يوم من الأيام ، ولا يطيق الطفل قسوة الشيخ جاد عليه ، فيذهب لأبيه ذات يوم ليترجاه أن يرحمه من قسوة الشيخ ولكن الأب لم يأبه ، وأجبره علي الذهاب للكُتاب ، وكانت النتيجة عدم استيعاب الطفل لأي معلومات يقولها الشيخ ، وبالتالي زيادة معاقبته ، وعندئذ لا يجد الأب أي فائدة من تعليم الطفل الذي كان يطمع في رؤيته يوما ما فقيهاً في العلم ، فيضطر لإخراجه من الكُتَّاب ، ويجلسه مع أولاد عمه في دكان الحرير الذي يمتلكه ..
ويقول بيرم في مذكراته عن تلك الفترة
من حياته أنه لم يستفد من كتُاب سيدنا إلا في الإلمام بمبادئ القراءة والكتابة فقط ، فلم يكن للشيخ أي دور في تشجيعه علي الثقافة أو النهم للمعرفة أو الاستدامة في القراءة ، ويحاول والد بيرم أن يعود إلي محاولة جديدة لتعليمه ، فيرسله إلي مسجد المرسي أبو العباس ، حيث المعهد الديني ، الذي كان يتردد عليه أغلب أبناء تجار الحي ، وأقبل بيرم علي ما كان يلقي في هذا المعهد من دروس في نهم و شغف ، ولكنه لم يكمل دراسته في هذا المعهد حيث جاء موت أبيه ليوقفه عن دروسه ..
بدايته مع الشعر :
فوجئ بيرم ذات يوم بالمجلس البلدي في الإسكندرية يحجز علي بيته الجديد ، ويطالبه بمبلغ كبير كعوائد عن سنوات لا يعلم عنها شيئًا ، وكأن الدنيا أرادت بهذا الحدث أن تعلن عن مولد فنان ، فقرر بيرم أن يرفع راية العصيان ضد المجلس البلدي بقصيدة يجعله فيها «مسخرة» في أفواه الناس ، وهذه أجزاء من القصيدة تدل علي نبرة السخرية و النقد التي بدأ بها بيرم حياته كشاعر ساخر ، فيقول :
يا بائع الفجل بالمليم واحدةً
كم للعيال و كم للمجلس البلدي
كأن أمي بلَّ الله تربتها أوصت
فقالت : أخوك المجلس البلدي
أخشى الزواج فإنْ يوم الزفاف أتى
يبغي عروسي صديقي المجلس البلدي
أو ربما وهب الرحمن لي ولداً
في بطنها يدعيه المجلس البلدي
ونشرت القصيدة كاملة بجريدة «الأهالي
وفي الصفحة الأولى ، وكانت أول قصيدة تُنشر لبيرم كما طلب موظفوا المجلس البلدي ترجمتها إلي اللغات الأجنبية ليستطيعوا فهمها ، فقد كانوا جميعاً من الأجانب ..
بدأ بيرم بعد هذه القصيدة يتجه إلى الأدب ، فترك التجارة وأهتم بتأليف الشعر ، وخصوصاً الزجل ، ليقرب أفكاره إلي أذهان الغالبية العظمي من المصريين ، وكانت أزجاله الأولى مليئة بالدعابة والنقد الصريح الذي يستهدف العلاج السريع لعيوب المجتمع ..
بيرم والمنفى :
لقد صدر الأمر بإبعاد بيرم التونسي من مصر ، ونفيه إلى وطن أجداده في تونس يوم 25 أغسطس عام 1920، وكان سبب الإبعاد غضب الملك فؤاد عليه ، بسبب قصيدته «البامية الملوكي و القرع السلطاني» والتي تقول بعض أبياتها :
البنت ماشية من زمان تتمخطر
والغفلة زارع في الديوان قرع أخضر
وقيل وقتها أن البنت المقصودة هي الملكة نازلي بالإضافة إلى توصية من زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد حيث هاجمه في مقال تحت عنوان «لعنة الله على المحافظ» حيث كان آنذاك محافظًا للقاهرة ..
ولكن الإدارة التونسية كانت تضعه تحت المراقبة منذ وصوله ، باعتباره مشاغبًا وباعث ثورات فقرر السفر إلى باريس التي عانى فيها أيضاً وفي هذا يقول بيرم :
الأوله مصر قالوا تونسي ونفوني جزاة الخير
والتانية تونس الأهل فيها جحدوني وحتى الغير
والتالتة باريس وفي باريس جهلوني وأنا موليير
وعاد بيرم التونسي إلى مصر هارباً وسمحت له السلطات المصرية بالبقاء وكان ذلك في عهد الملك فاروق حيث تلقى عفواً من الملك شخصياً ..
بيرم و أم كلثوم :
تقابلت أم كلثوم ببيرم في نهاية عام 1940 وقدم لها العديد من القصائد التي لحنها زكريا أحمد ومنها : أنا في انتظارك ، أهل الهوى ، هو صحيح الهوى غلاب ، الأمل ، حبيبى يسعد أوقاته ، غنيلى شوي شوي ، يا صباح الخير ، الورد جميل ، الأولة في الغرام ، شمس الأصيل ، الحب كده و أخيراً القلب يعشق كل جميل ونجح الثلاثي أم كلثوم و بيرم و زكريا أحمد نجاحاً باهراً ..
كما التقى
مع عبد الوهاب في أغنية محلاها عيشة الفلاح ، أما فريد الأطرش فقدم له العديد من الأغاني منها : أحبابنا يا عين ، يالله توكلنا على الله ، بساط الريح ، أكل البلح ، يالله سوا ، هلت ليالي ، مرحب مرحبتين ، الليلة نور هل علينا ..
كما قدم بعض المنولوجات منها :
حاتجن ياريت يا اخوانا مارحتش لندن ولا باريس يأهل المغنى دماغنا وجعنا
يا حلاوة الدنيا يا حلاوه
ياللى تحب الفن و غاوى
وقدم للإذاعة :
سيرة الظاهر بيبرس
أوبريت عزيزة و يونس
ومن أشهر ما قدم لسيد درويش : ” أنا المصري كريم العنصرين ، بنيت المجد فوق الأهرامين “
حياته الصحفية :
أصدر جريدة المسلة في 4 مايو سنة 1919
و كانت قائمة على مهاجمة الاستعمار ، و المرأة الجاهلة و التربية الخطأ و المظاهر الكاذبة والإسراف ..
وفي عام 1955 عمل في جريدة أخبار اليوم ثم جريدة الجمهورية ..
في عام 1960 منحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية ، وحصل بعدها على الجنسية المصرية ..
وفاته :
توفي بيرم التونسي في ه يناير عام 1961، بعد صراع مع مرض الربو…
و هو القائل قبل وفاته بأيام قليلة :
قال : إيه مراد إبن آدم ؟
قلت له : طقه
قال : إيه يكفي منامه ؟
قلت له : شقة
قال : إيه يعجل بموته ؟
قلت له : زقه
قال : حد فيها مخلد ؟
قلت له : لأه
شهيرة النجار