لا شيء مما تصور الإنسان أنه سوف يسعده قد أسعده ..
و هو ما كاد يمتلك ما كان يحلم به حتى زهد فيه و طلب غيره .. و هو دائما متطلع إلى ما في أيدي الآخرين غافل تماماً عما في يده ..
و لكنها الرغبة التي لا تشبع ، و التي يتجدد نهمها دائما و تتفتح شهيتها على كل ممنوع و مجهول !!
و لهذا أقام بوذا ديانته على قتل الرغبة و الخلاص منها باعتبارها سبب الشقاء ، و لا خلاص من الشقاء إلا بالخلاص من الرغبة و قتلها و الوصول إلى حالة من السكينة الداخلية الزاهدة في كل شيء و العازفة عن جميع الرغبات.
والله يكشف لنا الحقيقة بشكل أعمق في القرآن فيقول إنه خلق الدنيا و لها هذه الطبيعة و الخاصية فهي ” متاع ” ..
” إنما هذه الحياة الدنيا متاع “..
و المتاع هو اللذة المستهلكة التي تنفذ ..
من خصائص الدنيا كما أرادها خالقها أن جميع لذاتها مستهلكة تنفذ و تموت لحظة ميلادها ..
في كل لذة جرثومة فنائها ..
الملل و الضجر و العادة ما تلبث أن تقتلها..
هي الطبيعة التي أرادها الله للدنيا ، لأنه أرادها دار انتقال لا دار قرار .. و لهذا جعل كل لذة بلا قرار و لا استقرار .. لأنه لم يرد لهذه اللذات أن تكون لذات حقيقية و إنما أرادها مجرد امتحان لمعادن النفوس .. مجرد إثارة تختبر بها الشهامة و النبل و العفة و صدق الصادقين و إخلاص المخلصين ..
و الذي يدرك هذا سوف يستريح تماماً و يكف عن هذه الهستيريا التي تخرجه من شهوة لتلقي به في شهوة ، و تقوده من رغبة لتلقي به في أتون رغبة ، و تجره من جنون لترمي به في جنون ..
سوف يريح و يستريح و يحاول أن يروض نفسه و يستصفي روحه و يطهر قلبه و يعمل للعالم الآخر الذي وعد به الله جميع أنبيائه بأنه سيكون العالم الذي تكون فيه اللذة حقيقة.. و الألم حقيقي ..
و هو لن يندم على ما سوف يفوته من لذات هذه الدنيا، لأنه علم تماماً و بالتجربة و الممارسة أنها لذات خادعة تتفلت من الأصابع كالسراب .
من كتاب ” الشيطان يحكم “
شهيرة النجار