نشر الكاتب الصحفي القدير محمد عبد القدوس نجل الكبير الراحل إحسان عبد القدوس
قصة نادرة جداً جدا تتعلق بوالده والزعيم الراحل جمال عبد الناصر
اعتبرها من عجايب الدنيا وقد وجدها من بين أوراق والده المنسية
كتب
الكاتب الصحفي الكبير محمد عبد القدوس
(مفاجأة مذهلة من ناصر!!)
في سهرة تليفزيونية تم عرض قصة لإحسان عبدالقدوس تكشف فساد الحكم في ظل الإشتراكية وذلك بتعليمات من “جمال عبدالناصر” شخصياً!!
وأظن أن هذا الأمر قد أصابك بالذهول وأنا كمان!!
وقد أكتشفته وأنا أراجع مقالات “سانو” القديمة .. وهو إسم حبيبي أبي المعروف بين أسرته وأصدقائه المقربين.
وأبدأ الموضوع من أوله ..
والدي رحمه الله كان بعيد النظر سواء في قصصه أو في السياسة ..
أقولها بلا مجاملة ..
فهو أول من أشار إلى ضياع “فلسطين” قبل قيام إسرائيل ، وكان ذلك في أول رحلة خارجية له بعد تخرجه من الجامعة وعمله في “روزاليوسف” ، حيث زار المدن العربية وكذلك المدن التي يغلب عليها الطابع اليهودي ، ورجع من رحلته زعلان جداً جداً ، فالعرب كما رآهم يسود الإنقسام في صفوفهم ، أما اليهود فهم على قلب رجل واحد برغم تعدد أشكالهم ومنظماتهم بالإضافة إلى الفارق الشاسع في الحضارة مثل “تل أبيب” التي تبدو وكأنها مدينة أوروبية بالمقارنة بالمدن العربية مثل “عكا ويافا” وكأنها تعيش في القرون الوسطى ..
(ضاعت فلسطين) كان هذا عنوان المقال الذي نشره في “روزاليوسف” في صيف ١٩٤٥.
وبعد قيام الثورة أستبشر “سانو” خيراً وكان متفائلاً بالقضاء على الفساد في “مصر” والباشاوات والإقطاع ، لكنه أصيب بخيبة خاصة بعد تطبيق القوانين الإشتراكية ، والتأميمات الواسعة التي جرت عام ١٩٦١ ..
وأراه أول من أطلق جرس إنذار حول الفساد باسم الإشتراكية والقطط السمان الذين يثرون من وراءها!!
لم تكن الأوضاع السياسية في عهد “ناصر” تسمح بأن يعبر عن رأيه صراحة وكتابة مقال ، فلجأ إلى أسلوبه المفضل وهي كتابة قصة وكانت بعنوان “علبة من الصفيح الصدئ” وخلاصتها أنه لا شيء في “مصر” قد تغير ..
وطبقة الباشوات والإقطاع تم إستبدالها بالمفسدين في شركات القطاع العام والإتحاد الإشتراكي!!
وكان ذلك عام ١٩٦٥ وأرسل قصته إلى مجلة “المصور” حيث كان ينشر بعد إخراجه من”روزاليوسف ” ، واتصل به رئيس التحرير وقال له “إيه البلوى اللي بعتها دي يا إحسان ؟؟”
وطلب منه بإلحاح تعديل مسارها حتى لا نذهب كلنا “في داهية”!!
على حد تعبيره ..
ولكن أبي رفض بشدة ..
وقال له من حقك عدم نشرها ولكن ليس من حقك التلاعب فيها!!
ورد رئيس”المصور” وكان والدي يصفه بأنه أستاذه وأستاذ جيل من الصحفيين وهو “فكري أباظة” : لا أحد يستطيع منع قصة لإحسان عبدالقدوس من النشر ..
وأتفقا على حل وسط وهو نشر القصة في صفحات داخلية ودون إبراز عناوينها أو الإشارة إليها على الغلاف ، وضحك أبي: دي مش قصة .. ده منشور سري!!
ووافق على النشر بهذه الطريقة ..
ونشرت بالفعل ولم يلتفت إليها أحد فقد حرصت المجلة ألا تجذب الأنظار ، ومرت بسلام والحمد لله.
ونسي “سانو” الموضوع كله وفي عام ١٩٦٩ فوجئ أبي بإتصال من التليفزيون المصري يستأذن فيه شراء القصة لعرضها في سهرة تليفزيونية ..
ولم يملك أبي سوى الموافقة ، ولكنه كان متأكد أن الرقابة في التليفزيون ستعترض عليها أو أنها إذا عرضت فسيتم تشويهها ، وكان أبي شديد الدهشة حيث تم عرضها في تمثيلية عن قصة “إحسان عبدالقدوس” (علبة من الصفيح الصدئ) ولم يكن هناك أي تشويه بل جاءت كما كتبها بالضبط ..
وكان هذا أمرا استثنائياً جداً في ذلك الوقت ورآه أبي أعجوبة من عجايب الزمن .. ولم يدري السر في ذلك.
وبعد فترة عرف السر من صديقه “أنور السادات” وهو أحد المقربين من “ناصر” قال له : “أفرح يا إحسان” .. “عبدالناصر” جاب سيرتك في إجتماع مجلس الوزراء وجاءه تقرير عن قصتك وقرأها برغم مشاغله وأعجب بها ولم يكتفي بذلك ، بل طلب عرضها في سهرة تليفزيونية لأنها في نظره قصة حقيقية تكشف أحد أسباب نكسة عام ١٩٦٧ المتعلقة بمراكز القوى من المسئولين الذين لم يكونوا على مستوى الثقة ، وأثروا باسم الإشتراكية!!
وقال “ناصر” أنه سيجلس أمام التلفزيون ليشاهد السهرة التليفزيونية بنفسه لأن تعليماته أن تعرض بدون تشويه.
وأختتم أبي كلامه قائلاً: غريبة “جمال عبدالناصر” هو الذي أمر بإعدادها وعرضها ..
أي إنها كانت تعرض وأنا في حماية “ناصر”!!
شهيرة النجار