مجرد خبرين يربطهما خيط واحد، الخبر الأول أن وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز أصدر قرارا بعدم تأجير قاعات صالات مراكز الشباب والأندية للغير.. الخبر الثانى يتبع وزارة التضامن الاجتماعى حيث أعلن خالد سلطان رئيس الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية بوزارة التضامن الاجتماعى أنه تم تشكيل لجنة للتحقيق مع مسئولى جمعية (من أجل بلدى) التى قامت بتكريم والدة قاتل الطفلة زينة – الذى اغتصبها ثم قتلها الشاب – كأم مثالية فى مركز شباب عين الصيرة بمصر القديمة.
وضح الآن السبب من انتفاض مسئولى وزارتى الشباب والرياضة والتضامن الاجتماعى، وهو الضجة الإعلامية التى تلت تكريم والدة مغتصب وقاتل الطفلة زينة بأحد مراكز الشباب من قبل إحدى الجمعيات الأهلية.
وتعقيبا على ذلك.. فإن وزير الشباب يعلم جيدا أن أحد مصادر الدخل فى مراكز الشباب والأندية الرياضية هو تأجير القاعات للندوات والأفراح وخلافه ولا تهتم الجهة المؤجرة بمن الضيف أو الذى سيقيم مادام غير مخالف للآداب العامة، أما قرار وزارة الشئون الاجتماعية بالتحقيق مع صاحب الجمعية الذى أعطى والدة قاتل الطفلة درع الأم المثالية.. فهو يحتاج لوقفة كالتالى :
فصاحب الجمعية فعل مثل الذى يفعله غيره منذ سنوات طويلة فى ظل العشوائية والتخبط، فكل من هب ودب يعطى نياشين ويلقب غيره بألقاب وهو أصلا ليس ذا صفة.
كنا ونحن صغار نعرف أن الأم المثالية فى كل محافظة يتم اختيارها من قبل وزارة الشئون الاجتماعية التى أصبح اسمها الآن التضامن الاجتماعى ويكون لكل اختيار معايير محددة، وغالبا ما تكون معروفة، وهى أن الأم بعد وفاة الزوج ربت وعلمت أولادها وأدخلتهم الجامعة، وغالبا كليات القمة وظروفها المعيشية صعبة جدا، ونادرا ما يكون الاختيار خارج هذا الإطار، ويتم اختيار الطالب المثالى من قبل كل إدارة تعليمية وتتم التصفية فى كل محافظة ثم على مستوى المحافظات من قبل وزارة التعليم، وكذلك الطبيب المثالى من وزارة الصحة والعامل المثالى من قبل وزارة القوى العاملة، وغالبا ما يتم الإعلان عن تلك الاسماء فى عيد الأم من كل عام وعيد العمال ويوم الطبيب وخلافه حتى تكريم الفنانين والفنانات يكون يوم الاحتفال بعيد الفن لكبار فنانى مصر، وكانوا ينتظرونه من العام للعام، وكذلك من قبل مهرجان القاهرة ومهرجان الإسكندرية السينمائيين، «عندما كان لهما شنة ورنة» وتكون التكريمات بعد ترشيح أسماء عدة يختارها كبار نقاد مصر المعروفون بثقافاتهم العميقة وحياديتهم.
أما الآن فلم نسمع يوما هذا الكلام منذ عشرين عاما إن مدرسة كرمت راقصة أو أن جامعة تدعو راقصة شرقية لترقص للطلاب ثم تعطيها درع التكريم كأحسن راقصة فى مصر.. الآن يا سادة اختلط كل شىء وتغيرت المعايير.
أصحاب المدارس يكرمون الراقصات
الآن انقلب الميزان.. أصبحت معظم المدارس سواء مدارس حكومية أو خاصة تقوم بعمل حفلات نهاية العام فى مدارسها وتحضر مطربين شبابا يغنون ثم يعطونهم دروع تكريم وشهادات تقدير مكتوبا فيها مطرب الشباب الأول ونجم الجيل مجاملة للمغنى الذى جاء بربع أو بدون أجر ويكون من نتيجة ذلك نشر المغنى للشهادة وخبر تحتها أن كلية أو مدرسة كرمته بعد استفتاء من كام ألف طالب وطلع نجم الجيل، كذلك تقوم المدارس بعمل حفلات للفنانين والفنانات، وقال إيه.. تكريم نجوم رمضان، كما تسير على ذلك الخط صاحبة مدارس فى السادس من أكتوبر منذ 7 سنوات والدة المخرج محمد سامى، حيث تعلن باسم مدرستها الخاصة عن حفل تكريم تدعو له كل ممثلى الشاشة وغالبا ما تكون الجوائز لنجم العام ومطربة التتر الأول ومخرج الروائع من نصيب المسلسل الذى يعمل فيه ابنها، كذلك بعض الجامعات تقوم باستحضار راقصات مثلما أعلنت إحدى جامعات السادس من أكتوبر منذ ثلاثة شهور عن حفل للترفيه عن الطلاب بصوفينار، تخيلوا.. داخل الحرم الجامعى وبعدها حصلت على درع التكريم.. إذا ما المنتظر؟
ندخل على الجمعيات الأهلية وأندية الروتارى واللوينز، وأنا شخصيا لى تجارب تملأ كتبا مع هذه الأندية من حيث نشاطات الأندية وعمل ندوات يقومون فيها بالاتصال بأبطال عمل ما أو بفنان معروف إذا وافق خير وبركة ويعملوا الندوة ثم فى نهاية الندوة يعطونه درع التميز والتكريم أو لكل طاقم عمل مسلسل ما حتى لو المسلسل فاشل، المهم أن الأبطال أو الذين حضروا يحصلون على شهادات تقدير، طب من مين مش مهم وعلى أى أساس؟ على أساس الحضور ونوروا المكان!
(أم مثالية فى كل شارع)
أما الجمعيات الأهلية والخيرية وخاصة فى الأيام الماضية ومع هوجة دخول مجلس الشعب فأصبح كل من يفكر فى الترشح يعلن فى لافتة بالشارع الذى يسكن فيه عن حفل للأم المثالية أو حفل للأيتام بمناسبة يوم اليتيم فى المكان الفلانى، حتى إنك عزيزى القارئ تجد إعلانا عن عشرة أو عشرين حفلا لعشرين أما فى الدائرة الواحدة داخل منطقة فى محافظة واحدة من خلال عشرة مرشحين لمجلس الشعب كنوع من الدعاية لأنفسهم وسط البسطاء وشوية عصير وحتتين جاتوه وقبلة على رأس الأم الحانية ويا حبيبتى يا أمى ويا حبيبى يا طفل يا يتيم ويأخذون الصور ويوزعونها على الصحف وأن هذه أم مثالية فتكون النتيجة أن بالشارع الواحد تكريم (50) أما مثالية وفى المحافظة الواحدة ألف أم مثالية حسب عدد المرشحين، كل هذا تحت عين وسمع ومرأى موظفى الشئون الاجتماعية التى ترى اللافتات فى الشوارع والممنوع أصلا إقامة أى احتفال إلا بعد موافقتها أو موافقة الأجهزة الأمنية واختلط الحابل بالنابل وكل واحد يحضر خالته أو عمته أو بائعة الفجل فى شارعهم يعطيها نيشان، واحد من الذين أعرفهم جيدا استحضر السيدة (الدلالة) التى تجلب له بطاقات اصوات الناخبين فى المناطق الشعبية مقابل (50) جنيها وأعطاها لقب الأم المثالية وهى لم تتزوج أصلا حتى يشجعها على جمع أكبر قدر من البطاقات من الآن.
ذروة المهازل
ووصلت المهازل إلى ذروتها، فأى محل كوافير أو دكتور تجميل أو محل ملابس يريد الإعلان عن نفسه بكل بساطة يقيم حفلا تحت أى مسمى ويدعو له الفنانين والفنانات، وهناك سماسرة لاستحضار الفنانين، منهم من يأخذ أجرا مقابل الحضور والتكريم ومنهم من يأتى مقابل العشاء أو المبيت كام ليلة فى الفندق وأنا أعرفهم بالاسم، المهم يقيمون الحفل تحت اسم الحب والجمال، السلام والجمال أى شىء ويعطون شهادات تقدير للفنان أو الفنانة التى تحضر ويتم التقاط صور معهم يوزعونها إما فى إعلانات مدفوعة الاجر أو مجانية على المواقع الإلكترونية والصحف ويزينون بها محلاتهم، كان آخرهم (الرابطة الأمريكية للحلاقين) نعم اسمها كدا.. قامت بعمل حفل ضخم جدا فى فندق خمس نجوم ودعت عددا من الفنانين والفنانات والمذيعين وكرمتهم وأعطتهم شهادات تقدير عن أعمالهم فى رمضان حتى الذى لم يكن له عمل فى رمضان الماضى الذى ولى منذ عام كرمته عن عمل منذ ثلاث أو أربع سنوات.. هذه هى العشوائية الكبيرة التى نعيش فيها سادة والتى تحتاج لوقفة حقيقية، مش يطلعوا علينا ببيانات عن إيقاف أو التحقيق مع صاحب الجمعية التى كرمت والدة قاتل الطفلة زينة؟
الرجل لم يفعل غريبا، فعل ما يفعله الغالبية على مرأى ومسمع من الجميع كل شخص يكرم شخصاً آخر ويعطيه تاج الجزيرة «السلطانية».
مطلوب من السيدة الفاضلة وزيرة التضامن الاجتماعى باعتبارها المنوطة بأندية الروتارى والإنرويل والجمعيات الأهلية وإعطاء تراخيص الحفلات أيضا فى هذه المهزلة.. الخروج بأى قرار فورى ومن يخالف يحاسب ويكون عظة للجميع وتسلمى يا مصر.
شهيرة النجار