فضلت عدم الكتابة فى قصة تابوت الإسكندرية، الذى أصبح مثار حديث العالم كله فى وقت قصير، حتى تهدأ الأمور، خاصة أننى يأتينى يوميا نشرة بحوادث وبلاغات الإسكندرية من مختلف الأقسام، عن طريق العلاقات العامة والإعلام بمديرية أمن المحافظة.
واستوقفنى هذا البلاغ بخصوص إيجاد تابوت أثناء الحفر لبناء إحدى العمائر برقم 8115/ لسنة 2018 إدارى قسم سيدى جابر، وتواصلت مع السيد رئيس إدارة الإعلام لأعرف تفاصيل أكثر لحظتها، ولكن سرعان ما وجدت الخبر منشورا فى أقل من دقائق على كافة المواقع الإلكترونية كما وصلنى، ففضلت معرفة الكواليس لكن يبدو أن ما أثار انتباهى أثار انتباه غيرى، وسرعان ما تحول الأمر لحدث عالمى كبير.
وما أثار انتباهى هو أن الشخص الذى كان يحفر ووجد التابوت فى إحدى الأراضى الخالية التابعة لمنطقة سيدى جابر، وقام بالإبلاغ فقط لا غير، لماذا؟، لأنه على مدار عملى الصحفى كانت البلاغات الواردة لى من مديرية أمن الإسكندرية الخاصة بالآثار إما عن ورود معلومات لهم بأن أحد الأشخاص يحفر تحت منزله للبحث عن آثار أو القبض على شخص أو مجموعة أشخاص يبيعون آثاراً تبين أنهم وجدوها أثناء الحفر لبناء عمارة أو بيت أو خلافه، لذا كان من الغريب بل المدهش أن أجد أحدا قام من تلقاء نفسه بالإبلاغ، وكان ذلك متزامنا مع أحد البلاغات الواردة من مديرية الأمن بالقبض على أحد الأشخاص فى منطقة محرم بك أثناء الحفر تحت منزله.
وانتهى موضوع التابوت وتبين أنه ليس به لعنة كما روج بعض الكتاب الإنجليز والأثريين الأوروبيين، وليس بداية عصر الظلمات، كما لم يكن مقبرة الإسكندر الأكبر، كل ما كان به 3 جماجم ومياه صرف صحي، وأسدل الستار على ذلك، لكن أعود للأمر ذاته، ما هى قصة الآثار بالإسكندرية والإسكندر الأكبر؟
- قصة العام الماضى
نشرت العام الماضى حادثة وقعت بالقرب من مقر إقامتى، حيث كان يقوم بالحفر مجموعة من العمال ليلا أثناء ثورة يناير، بعد وضع كشافات فى جزء من أرض فضاء مسورة بعدد كبير من الأشجار العتيقة، وعندما يأتى الصباح لا نجد أثراً لتلك الحفرة، بل يوجد زرع أخضر نابت مكانها، حتى تشككت فى نفسى. ومثل أفلام الرعب اعتقدت أن مسا من الشيطان أصابنى، أو ربما أرى خيالات، ليتكرر الأمر كل ليلة تقريبا، حتى أكد بعض من أفراد عائلتى ما أراه، وكانت الخطوة التالية أن هؤلاء العمال الذين يحفرون ليلا بدأوا يتنبهون إلى أننا نتلصص عليهم، فأخذوا يحطاطون للأمر، ودار فى ذهننا وقتها أنه ربما يخبئون أسلحة فى حفرة أو سرداب تحت الأرض، خاصة أننا وقت الثورة والانفلات الأمنى، أو ربما مخدرات.
ولكن ما الداعى للحفر كل ليلة وإضاءة وشادر للإطفاء، ثم فى الصباح لا شىء؟ إذًا ربما الأمر يدور فى اتجاه البحث عن آثار خاصة أننى كنت أتابع وأنشر قصصا وحوادث من هذا النوع على مدار سنوات، واكتفيت بالمشاهدة سنوات عدة لأن الأمور الأمنية وقتها لم تكن تساعد على ذلك، حتى استيقظنا ذات صباح العام الماضى على صراخ من ذلك المكان، لنجد سيارات الأمن والناس متجمعة حصل إيه؟ تبين أن أحد العمال صبى لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره نزل بتلك الحفرة التى كنا نراها ليلا وتختفى صباحا وانهالت عليه الرمال ولم يظهر.
فاضطر أقرانه لإبلاغ قسم شرطة سيدى جابر لإخراجه، وهنا تفككت جميع الطلاسم وكشف النقاب عما كنا نسأل عنه، ولم نجد له إجابة على مدار السنوات الماضية، وهو أن حارس الأرض وزوجته استحضرا بعض المنقبين عن الآثار من أصل صعيدى وكانوا يحفرون وبالفعل وجدوا آثارا عبارة عن أوان فخارية وبعض الأشياء التى حتى الآن لا أعرف قيمتها التاريخية، وهرب لحظة الإبلاغ الحارس وزوجته وتبين أن تلك الأرض ملك لسيدة يونانية الأصل لا يعرف أحد إذا كانت على قيد الحياة أم لا، وأن ثلاثة مقاولين مختلفين كل واحد ضرب ورق على الأرض على أنها ملكه.
وكان حارس الأرض الهارب وزوجته أحد حراس هؤلاء الثلاثة، حصل إيه وقتها، تم استخراج الجثة مساء وكنا بالشتاء، وتم تعيين حارس من القسم على الأرض، تواجد لمدة شهر، قبل اختفائه، ولكن ما مصير الأرض؟، مفترض أن يتم تسليمها لوزارة الآثار لتستكمل مشروع التنقيب الذى استخرج منه العمال الأوانى الفخارية، إلا أن هذا لم يحدث حتى لحظته وتاريخه، ونشرت العام الماضى هذا الأمر واعتقدت أن الشهور التالية ستحمل تطورات.
لكن الغريب أن الأمر ظل كما هو عليه، وتلك الأرض فى محيط منطقة سيدى جابر أيضا التى تم إيجاد التابوت الذى أشعل كل وسائل إعلام العالم الأيام الماضية بها، الإسكندرية كلها على بحر من الآثار، لأنها مبنية على أنقاض الإسكندرية القديمة، بعدما ضربها زلزال قبل أكثر من ألف سنة، عندما تهدمت مكتبة الإسكندرية القديمة والفنار خلاله، المكتبة التى كانت شاهدة على سيادة الإسكندرية للعالم القديم فى ذلك الوقت، وتهدمت المدينة وقتها وتم بناء إسكندرية جديدة. ووجدوا أيضا معبد كليوباترا من بين الآثار الغارقة فى منطقة بحرى قبل أعوام لأنه من عوالم الإسكندرية القديمة، وتم استخراج عدد كبير من تلك الآثار، كعمود السوارى وآثار كوم الدكة، لكن حتى الآن لازالت ألغاز العالم القديم وقبر الإسكندر الأكبر والجبانة الغربية للمنطقة الملكية لغزا.
- لغز الجبانة الغربية تم حله بالمصادفة
الجبانة الغربية للحى الملكى ظل يبحث عنها علماء الآثار عشرات السنين، وجاءت المصادفة قبل أربع سنوات تقريبا بالشتاء، عندما أبلغنى وقتها السيد رئيس مباحث الآثار عن ورود بلاغ لهم من بعض جيران أحد الأسر، فى منطقة الورديان قرب الميناء، أن ثلاثة أشقاء ووالدتهم يقومون بالحفر منذ عامين تقريبا للتنقيب عن الآثار.
المهم، غالبا أبلغ الجيران السلطات لأنهم كانوا يريدون مشاركة تلك الأسرة الكنز ورفضت، وكانت المفاجأة والتى ذهبت بنفسى لرؤيتها أنه بالفعل لحظة استخراجهم بعد عناء عامين لأول مجموعة آثار كانت تتلقفها أيدى مباحث الآثار.
ربما الأوانى التى تم استخراجها لا تمثل أهمية ولكن المفاجأة التى دوت أنهم عثروا على عدد كبير من التوابيت فى الصخر مغطاة، وتم إرسال خطاب لوزارة الآثار بهذا الشأن لإمكانية استكمال الحفر من عدمه لأن فوق الأرض بيوت عشوائية من الخشب، ويمكن أن تقع وتتهدم بمجرد الحفر ولابد من إيجاد طريقة فنية لاستكمال الحفر ومعرفة قيمة تلك التوابيت.
أنا لا أعرف حتى كتابة هذه السطور هل تم استكمال الحفر من عدمه، لكن كل الذى بلغنى من مسئول شرطة الآثار وقتها العقيد حسام رشاد أن هذه هى بدايات الجبانة الغربية، التى كان يتم البحث عنها منذ سنين طويلة، وكانت الدلائل تشير إلى وجودها غرب الإسكندرية، فين بقا؟ لا يعرفون حتى جاءت المصادفة مع قيام ثلاثة أشقاء بالحفر بمساعدة والدتهم، ويأتى السؤال كيف لثلاثة شباب بسطاء بدون تعليم أن يحددوا المكان المخصص للحفر ويجدون تحته بالضبط التوابيت والأوانى الفخارية؟
الإجابة أخطر من السؤال، عراف مغربى جاء للمنطقة ومعه عدد كبير من الخرائط التى تدل على وجود آثار، وبحث عن مدخل تلك الآثار فعرف أنها أسفل المنزل البسيط هذا الذى وجدت أنا شخصيا صعوبة فى الوصول إليه مع رجال الأمن وقتها، وتواصل مع الأم وأقنعها أن تحت منزلهم كنز مدفون، وأشار لإحدى الحجرات التى يجب أن يتم الحفر فيها.
لكن يبقى السؤال، كيف عرف العراف المغربى، ومن أين حصل على تلك الخرائط؟، لا توجد إجابة واضحة، إلا أن عددا كبيرا من نوعيته منتشرون فى تلك الأحياء البسيطة الشعبية غرب الإسكندرية، ولا يمر شهر وإلا يتم العثور على كنز أو القبض على أحد وهو يحفر وبحوزته آثار، أو القبض على أحد وهو يبيع، ثم أثناء القبض عليه يعترف أن عرافا دله على ذلك.
الغريب أن عددا كبيرا على مدار سنوات طويلة مضت أقاموا بتلك المنطقة وخرجوا منها أثرياء وغالبيتهم خارج مصر الآن وبعضهم تحولت حياته وأصبح من الأسماء المعروفة، ولا داعى لذكر أسماء، وتتناثر الأحاديث أن تلك المنطقة قرب الميناء، وهناك قضايا وأحداث شهدتها المنطقة تدل على أنها غارقة فى الآثار، سردتها قبلا، وبعضها لم أفصح بالنشر عنه للآن، عمن يتلقف تلك الآثار ويبيعها خارج مصر.
الإسكندرية عائمة على مدينة الآثار القديمة، بطلمى ورومانى، هذه حقيقة مؤكدة وتوجد من أحد شروط البناء فى الإسكندرية موافقة الآثار، للتأكد من عدم وجود أثر بالمكان المراد الحفر والبناء فيه من عدمه، ولا أعرف إذا كان هذا الاشتراط يوجد فى باقى محافظات مصر أم لا، ولكن المغزى منه أن الإسكندرية مدينة الآثار، ولم أندهش لوجود تابوت نهائيا، بل كان عجبى أن الذى حفر قام بالإبلاغ لأنها غالبا حالة فردية، وبالمناسبة أحكى لكم حكاية مختصرة: فى يوم من أيام الثورة بمنطقة سيدى جابر تم هدم فيللا، وهمّ صاحبها بالحفر لبناء عقار، وأثناء الحفر وجد العمال آثارا وقرروا أن يستكملوا مع أنفسهم الحفر ليلا، حتى لا يراهم أحد، ومرت وردية من دوريات القسم وسألهم الضابط بتعملوا إيه؟ خافوا، المهم وجد حفريات وآثارا وأصر على اصطحابهم لقسم سيدى جابر، وهناك أثناء الثورة والانفلات الأمنى هرب العمال أثناء الترحيل.
المغزى أن منطقة سيدى جابر كلها لو قلبتها ستجد آثارا، والمغزى الثانى أن هناك الكثير من العمال والمقاولين يجدون آثار كل يوم، النماذج التى اعرف بعضها لمقاولين بسطاء فجأة تحولوا لتايكونات، وما تم نسجه حول الحفر والرزق من باطن الأرض كثير جدا، وإذا فتش ودقق البعض فى مصدر ثروات بعض المقيمين بالإسكندرية أو سبب النقلة المالية سيجد خلفها قصة آثار جاءت مصادفة أو بالتنقيب والسعى.
شهيرة النجار