.
مقال نقلاً عن مجلة باريس الفرنسية
يوم الإثنين 14 يوليه 1958، وككل صباح يقرع الناقوس ليوقظ الفتيات وينهي أحلامهن في الساعة السابعة والنصف. ولكن هل هناك ناقوس في الدنيا يستطيع أن يقتل حلم فضيلة إبراهيم ؟ وكانت فضيلة في صف مس كاثلين دودس، التي كانت مديرة المعهد أيضاً ولا يحتوي هذا الصف إلا على ثماني تلميذات.
فضيلة هي ابنة الأمير المصري محمد علي إبراهيم ابن عم فاروق ملك مصر، وابنة الأميرة هانزاده زادة حفيدة آخر سلاطين العثمانيين ، الأميرة فضيلة لا تكتفي بجمالها، وإنما كانت تريد أن تحقق بسنواتها السبعة عشرة وخضرة عينيها ما ستكتمل به دراستها وهو أن تتزوّج بملك، وهو فيصل ملك العراق والنفط.
وأمام نافذتها المفتوحة على نسيم الريف الإنكليزي وعلى عطور العطلة المقبلة، كانت فاضلة تمشط شعرها البني الذهبي الإنعكاسات في أشعة شمس الصباح. وكانت تجهل أن على بعد خمسة آلاف كلم في بغداد البعيدة جغرافيا و لكن شديدة القرب من قلبها، والتي ارتفعت الشمس عالية في سمائها الآن، كانت المآذن المغطاة بالقاشاني الأزرق تهتز بهدير جموع الرعاع المتدافعة.
الساعة الثامنة في قاعة الأكل في المعهد كانت الفتيات يتكلّمن عن مشاريعهن باقتراب العطلة، وتعطي الواحدة منهن للأخرى عنوانها وصورها. وكان على فضيلة أن تريهن من جديد صورة تتأملها كل واحدة منهن ، فأعطتهم صورة لها مع خطيبها، إلتقطت في مدينة كان في جنوب فرنسا وقالت الفتيات : ” ما أجمله !” و تبادلا الضحك و المزاح وفي نفس اللحظة، في عاصمته المشتعلة عمّر فيصل مسدسه.
كان ذلك آخر امتحانات السنة الدراسية : كتابة مقالة في موضوع تاريخي ووضعت فضيلة حول خنصرها استثنائياً خاتم الخطوبة، ليجلب لها الحظ.
أما فضيلة ، فلم تستطع أن تلفظ إلا أربع کلمات مازالت تهمس بها لنفسها أمام ورقة الإمتحان : “أنا سعيدة … أنا سعيدة” وعلى الجانب الآخر وفي بغداد، في وهج الشمس سقط خطيبها الملك الصغير تسيل منه الدماء.
الساعة العاشرة دخلت المس دودس في قاعة الدرس بعد أن اتصل بها السفير العراقي وهمست بكلمات في أذن فضيلة التي لم تستطع ضبط دموعها ، و تركت فضيلة قاعة الامتحان و جرت نحو غرفتها، لترتمي على سريرها وانفجرت تبكي وفي يدها آخر رسائل فيصل و الذي كان يتكلم فيها عن القصر الذي شيده لها على ضفة دجلة أنه كان ينوي أن يأتي في نهاية الشهر ليصطحبها مع والديها في سفرة عبر بلدان أوروبا.
ونهضت فضيلة فجأة، ونزلت إلى قاعة الدرس واستعادت ورقة الإمتحان لتكملها و هي تقول لنفس لمعلمتها : “ينبغي أن أكمل كما لو أن شيئاً لم يحدث ولكنني لن ذهب هذا المساء إلى مكتب البريد الأرسل رسالتي لفيصل مثل كل يوم”
و بعد ما أنهت امتحانها توجهت فضيلة إلى صالة الملاكمة و لاحظ الجميع حدتها في التعامل فهي تضرب بسرعة وبقوة لا يقاومها في ذلك مقاوم ولن يقاومها أحد بعد الآن
يُذكر ان الأميرة فضيلة لم تعرف تفاصيل ما حدث لخطيبها و عائلتها الا بعد أيام و قيل أنها دخلت في حالة من الحزن و الذهول و ظلت ترتدي ملابس سوداء لمدة طويلة حداداً على خطيبها الملك المغدور
شهيرة النجار