1- هو “محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي” من قبيلة عبد مناف، ثالث الأئمة الأربعة الفقهية التى تمثل فقه السنة المسلمين ومؤسس علم أصول الفقه المذهب الشافعي، ولد سنة 150 هـ في عسقلان قرب غزة بفلسطين.
2- نفس السنة توفي فيها الإمام “أبو حنيفة النعمان” ولد لأسرة فقيرة تعيش في الأحياء اليمنية من فلسطين، أمه من اليمن جنوب شبه الجزيرة العربية أما أبوه قرشي النسب من آل هاشم يجتمع مع نسب النبي ﷺ في “عبد مناف بن قصي” خرج أبوه من مكة إلي فلسطين لحاجة ثم توفي بها.
3- وعندما بلغ عمره سنتين خافت أمه أن يضيع نسبه الشريف فانتقلت به لمكة ليعيش بين ذويه ويتثقف بثقافتهم وعاش “الشافعي” في مكة في فقر ويتم رغم إن نسبه أشرف أنساب الخلايق عند المسلمين فاستقام عوده في حياة قاسية مما كان له أثر عظيم في صفاته وأخلاقه فحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره.
4- واتجه للحديث النبوي فحفظ موطأ الإمام “مالك” في العاشرة وكان كتاب الموطأ نشر بعدما لجأ الخليفة العباسي “أبو جعفر المنصور” للإمام مالك في موسم الحج وطلب منه تأليف كتاب في الفقه يجمع الشتات بمعايير علمية حددها له قائلا: يا أبا عبد الله ضع الفقه ودون منه كتبا.
5- وتجنب شدائد عبد الله بن عمر مسعود وأقصد إلي أواسط الأمور وما اجتمع إليه الأئمة والصحابة لتحمل الناس إن شاء الله على عملك وكتبك ونبثها في الأمصار ونعهد إليهم ألا يخالفوها وتم نشر الكتاب سنة 158 هـ.
6- الطفل الصغير الشافعي كان بيستمع للمحدثين فيحفظ الحديث ثم يكتبه على الخزف أو الجلود أو ضهور الورق المستعمل، قال الشافعي: “لم يكن لي مال فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلي الديوان أستوهب منهم الظهور وأكتب فيها، طلبت هذا الأمر عن خفة ذات اليد، كنت أجالس الناس وأتحفظ.
7- ثم اشتهيت أن أدون وكان منزلنا بمكة بقرب شعب الخَيْف، فكنت أخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها حتى أمتلأ في دارنا من ذلك حبان “اتجه للتبحر في اللغة العربية خرج للفيافي في بطن صحراء الحجاز ولزم قبيلة “هذيل” أفصح العرب تعلم منهم ورجع مكة بعدما تمكن من إنشاد الأشعار ورواية الآداب والأخبار.
8- في الوقت دا قابل “الأصمعي” وكان بدأ في مشروع تصحيح أشعار قبائل العرب وروايتها فقال عنه “صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس كان “الشافعي” الصبي متيم بالأدب والبلاغة وكان صديق “عبد الله الزبيري” عالم تاريخ الأنساب العربية كانوا يومياً بيتسامروا من أول الليل لحد الصبح.
9- وفي يوم كان راكب حماره ووراه الزبيري والشافعي ينشد بيت شعر فضربه الكاتب بسوطه على ظهره وقال له: “مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟”، الشافعي” هزه كلان الكاتب، فقصد من وقته لمجالسة مفتي مكة “مسلم بن خالد الزنجي” وتابع طلب العلم من الشيوخ، الأئمة، العلماء.
10- وكان في سباق محموم لتحصيل كل علوم الفقه وكأن ضربة سوط الكاتب جلدت وجدانه حتى بزغ نجمة كموسوعة فقهية جديدة واتعرف بكنية “أبو عبد الله” وبدأت الناس تتوافد على مكة طلباً للرأي والمشورة من “أبو عبد الله” وفي يوم لقي المفتي “مسلم بن خالد الزنجي” داخل عليه من باب الصفا، أثناء حلقة علم.
11- وقال له: “أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي” وبكدا أخذ “الشافعي” إذن المفتوي بشكل رسمي وكان في الوقت ده إسم إمام المدينة “مالك بن أنس” انتشر فى الآفاق وتناقلته الرحلات وكتابه الموطأ هو عين أعيان كتب الفقه والحديث فقرر “الشافعي” الهجرة من مكة لمدينة رسول الله وعمره 14 سنة.
12- لطلب العلم من الإمام “مالك” وصل عند صلاة العصر فصلي فى مسجد رسول الله ﷺ ولاذ بقبره الشريف فى نفس وقت درس “مالك بن أنس” اليومي لقاه قاعد عند قبر النبي فى حلقة من تلاميذه ملفوف ببردة ومتشح بأخري وبيقول “حدثني نافع عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر” وضرب بإيده حجارة قبر رسول الله ﷺ.
13- فلما شاف “الشافعي” الموقف دا قال” “فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة”، وتوجه للإمام “مالك” الذي قال له “يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقي على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية، فإذا ما جاء الغد تجئ ويجئ ما يقرأ لك”.
14- وتاني يوم جاءه “الشافعي” وزي ما قلنا كان حافظ الموطأ عن ظهر قلب بقاله 10 سنين وبدأ يقرأ والكتاب فى إيده، فلما الإمام “مالك” سمع قراءته قال “إقرأ” وكل ما يقطع الطالب يقوله المعلم: “زد يا فتي” لأنه أعجب بفصاحة البادية على لسانه فدفعه ليقرأ عليه لحد ما فرغ منه فى أيام قليلة.
15- فقال الإمام “مالك”: “إن يك أحد يفصح فهذا الغلام” ومرت سنوات وبلغ “الشافعي” مبلغ الرجال واتصف بالكثير من الأخلاق النبيلة مثل العلم الغزير وحث الناس على طلبه وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، الذكاء الشديد، التواضع والبساطة والكرم.
16- وكان يقوم برحلات فى البلاد الإسلامية يستفيد منها ويتعلم أحوال الناس وأخبارهم ويزور أمه مكة ويستنصح بنصايحها ولما وصل لـ 29 سنة مرض الإمام مالك 22 يوم ثم توفي سنة 179 هـ فكانت صدمة عنيفة للطالب موت معلمه فقد ضاقت عليه الحياة فنزل باليمن عند أخواله.
17- كان بها والٍ ظالم فأخد “الشافعي” على يديه ينصحه ويمنع مظالمه وتجرأ على الوالي بالنقد مما دفع الوالي إن يكيد له بالدس والوشاية وقتها كان الخلفاء العباسيين إذا رأوا أي من فرق الشيعة العلوية قضوا عليها في مهدها.
18- الوالي الظالم ليتخلص من “الشافعي” أشاع إنه مع الشيع العلوية سنة 183 هـ فأرسل رسالة للخليفة “هارون الرشيد” فى بغداد “إن تسعة من العلوية تحركوا وإني أخاف أن يخرجوا وإن ها هنا رجلاً من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي، إسمه “محمد بن إدريس” يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه”.
19- فأرسل “الرشيد” بأمر القبض على التسعة العلوية و”الشافعي” فدخل العسكر عليه ليلاً وقيدوه بالسلاسل ووضعوه فى قفص مع غيره وأرسلوا إلى بغداد طافوا بهم وسط العامة ثم ادخلوهم على الخليفة “هارون الرشيد” فكان يجادلهم فتسقط حجتهم فيأمر بقتلهم.
20- إلي أن دخل عليه “الشافعي” الإمام، التقي، الورع، الحافظ، الواعظ، حافي القدمين والسلاسل تقيده والأصفاد الحديد بتدمي أطرافه لكنه مشي تحت جلبابه الممزق واثق من قوة حجته وألقي السلام على الخليفة، رد عليه “هارون الرشيد” وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الحليفة حط تحذير وإلى اليمن فى باله.
21- ولذلك أمر بقطع رقبته على طول، حتى من قبل استكمال المناظرة، فلما أمسكه الحرس يجذبوه للخارج هتف فى الخليفة بثبات وقوة “وأين رحمة الله التي منحتها لي؟” فتعجب “هارون الرشيد” لأنه لم يمنحه شئ فذكره “الشافعي” برحمة الله اللي قالها له فى رد السلام! فتبلبل مجلس الخليفة وحاشيته.
22- فقال الشافعي: “يا أمير المؤمنين، ما تقول فى رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده، أيهما أحب إلي؟” قال: “الذي يراك أخاه” قال: “فذاك أنت يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس وهم ولد على ونحن بنو المطلب فأنتم ولد العباس تروننا إخوتكم وهم يروننا عبيدهم “تبسم الخليفة”.
23- واستأنس “الشافعي” لرؤية القاضي “محمد بن الحسن الشيباني” فى المجلس الذي يعرفه من أيام مجلس الإمام “مالك” فقال القاضي: “له من العلم حظ كبير وليس الذي رفع عليه من شأنه” أي برأه من التهمة فقال الخليفة: “فخذه إليك”، سافر الشافعي سنة 184 هـ بغداد ونزل عند “محمد بن الحسن” حامل فقه العراقيين وناشره.
24- تلميذ الإمام “أبو حنيفة النعمان” فدرس “الشافعي” الفقه وقرأ كتبه وهكذا اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق، قضي فى بغداد سنتين ثم انتقل لمكة ليبقي بها 9 سنوات يلقي دروسه فى الحرم المكي والتقي بأكبر العلماء مثل الإمام “أحمد بن حنبل” ووجد إنه لابد من وضع مقاييس لمعرفة الحق من الباطل.
25- فقرر السفر لبغداد عش الفقهاء سنة 195 هـ الإمام”، عبد الرحمن بن مهدي” التمس من “الشافعي” أن يضع له كتاب للفقه فوضع الشافعي كتاب الرسالة وبعثه إليه فلما قرأه قال “ما أظن أن الله عز وجل خلق مثل هذا الرجل ونشر “الشافعي” طريقته الجديدة فى العراق.
26- سنة 198هـ حدث نزاع على الخلافة العباسية بين الأخوين الأمين والمأمون وانتصر المأمون ودخل بغداد على رأس جيشه وكان من الفلاسفة فقرب له جماعة معتزلة كل أفكارهم قائمة على مبدأ العقل قبل نقل ولو تعارض النص مع العقل يتبعوا العقل وأصبحوا المحكمين فى العلم وأهله.
27- “الشافعي” كان ينفر من المعتزلة ومناهج بحثهم “المأمون” عرض على “الشافعي” أن يوليه القضاء، لكنه اعتذر وحدثت المحنة المعروفة بإسم “محنة خلق القرآن” اللي تصدي لها بكل شجاعة مولانا الإمام “أحمد بن حنبل” ودفع الثمن غالي، تم القبض عليه وزجوا به فى السجن وهناك تم تعذيبه بالجلد والكي.
28- وفى وسط الأجواء دي اعتزم “الشافعي” السفر لمصر 199 هـ وإليها العباس بن عبد الله عباسي هاشمي قرشي دعاه وكان خليفة لعبد الله المأمون على مصر، ونزل عند أسرة بنو عبد الحكم وهي أسرة ذات نسب رفيع إشتهرت بتلقي العلوم والفقه وكان أهل مصر فريق كبير يميل للإمام “مالك” وفريق “أبي حنيفة النعمان”.
29- ونزل “الشافعي” على أخواله الأزد اليمنيين وقال شعر فى قدومه لمصر: لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها قطع المهامة والفقر فوالله ما أدري، الفوز والغني أساق إليها أم أساق إلى القبر وبقت مصر حاضنة طريقة “الشافعي” الجديدة فى الفقه 5 سنين.
30- ولما بلغه إن الإمام “مالك” تقدس آثاره وثيابه فى بعض البلاد الإسلامية فقال: “إن مالكاً آدمي قد يخطئ” وألف كتاب سماه “خلاف مالك” ولكنه تردد فى إعلانه وفاء لـ “مالك” شيخه وأستاذه لمدة سنة بعدها استخار ربنا فنشره ونقد آراء العراقيين أبي حنيفة وغيرهم من فقهاء العراق ونقد آراء الأوزاعي.
31- وكان يميل فى جداله دايماً نصرة الحديث ورجال الحديث ولمكانة الإمام “مالك” فى مصر ثار عليه المالكيين وتجمهورا عند الوالي وطلبوا إخراجه وأخذوا يحاربوه فتعرض للشتم القبيح المنكر من عوامهم والدعاء عليه من علمائهم بيقول الكندي “لما دخل الشافعي مصر، كان ابن المنكدر يصيح خلفه”.
32- دخلت هذه البلدة وأمرنا واحد، ففرقت بيننا وألقيت بيننا الشر فرق الله بين روحك وجسمك، بعدها اصطدم الشافعي بـ “أشهب بن عبد العزيز” أحد تلاميذ الإمام “مالك” المقربين الذي ساهم بنشر مذهبه فى مصر وكان أشهب يكرهه ويدعو عليه فى سجوده بالموت ومع زيادة الضغط.
33- قال المالكية بضرب الإمام “الشافعي” قبل حلقة درسه فى جامع “عمرو بن العاص” ويقال أنها عجلت بموته ويقال أن سبب موته مرض البواسير فكان عليلاً شديد العلة وربما خرج الدم وهو راكب حتى تمتلئ.
34- ودفنه بنو عبد الحكم بمقابرهم بالقرافة الصغري بعد العشاء مات الإمام بعد ما غلب مذهبه على المذهب المالكي ومع ذلك فقد ثبت المذهب المالكي وقارب المذهب الشافعي، يقع ضريح الإمام الشافعي فى مسجد الإمام الشافعي بشارع الإمام الشافعي وهي غرفة مربعة بأربع حوائط سميكة.
35- يعلوها قبة بناها السلطان صلاح الدين عام 572 حيث وضع الأساس المعماري لتربة الإمام الشافعي وجعل لها باب خشبي محفوظ حالياً فى متحف الفن الإسلامي، كما أمر أفراد بني معالي بعمل تابوت خشبي وضعه فوق قبر الشافعي عام 574 هـ 1178 م مصنوع من خشب الساج الهندي ومزخرف بآيات القرآن.
36- ويوجد فوق قمة القبة من الخارج عشاري من النحاس الأصفر وترمز لعلم الإمام “الشافعي” وهي على شكل سفينة بإعتباره سفينة العلم، وكان القبر مهمل طول فترة حكم الدولة الفاطمية، لأن العقيدة الشيعية على عداء مع العقيدة السنية و”الشافعي” يمثلها.
37- السلطان “صلاح الدين” اهتم بأضرحة الأئمة وأولهم الشافعي لأن مذهبه وقضاء الدولة كان شافعي واتبارك به فى حروبه ودفن فى الضريح زوجته السلطانه “شمسة” وابنه “العزيز عثمان” لما ماتوا والسلطان “الكامل” هو اللي بني المسجد وألحق بيه المقام من حبه للضريح ودفن فيه أمه.