بسم الله.. والحمد لله.. والله أكبر..
«والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، هذه الآية الحاكمة التى وردت فى سورة يوسف هى «مفتاح» لفهم مشيئة الله سبحانه وتعالى والتى يطلق عليها «القضاء والقدر»، وهو ما يسميه النقاد «عتبة النص» فى النصوص الأدبية.
وسوف أستعين بالآية الكريمة لفهم ومقارنة ما جرى مع النبيين الكريمين يوسف وموسى عليهما السلام، والذى يجمعهما «أصل واحد» فهما من العبرانيين أحفاد سيدنا إبراهيم عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
فقد تشابها فى الكثير من الأحداث التى جرت لهما ومعهما، واختلفا فى الكثير من الصفات، لكنهما كانا دائمًا فى رعاية الله سبحانه وتعالى.
فهذا يوسف بن يعقوب، الذى وُصف بشطر الحسن واشتهر بالاستقامة وتفسير الأحلام، وكان له عشرة إخوة غاروا من محبة أبيهم له، وتآمروا عليه وحاولوا التخلص منه، فألقوه فى البئر، لكن مشيئة الله أنقذته (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
لقد توقع أبوه بما يمكن أن يحدث من إخوته وطلب منه عدم ذكر رؤياه لهم، فقد رأى فى منامه أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر له ساجدين.
ويعقوب كان نبيًا وصفه ربه (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) «الآية 68».
وهذا موسى بن عمران من سلالة يعقوب، ولد بعد مئات من الأعوام من قدوم العبرانيين إلى مصر فى زمن النبى يوسف، ووصف بالقوة والأمانة، وهو من أولى العزم وكليم الله (….وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً).
وقد حفظت مشيئة الله موسى، كما حفظت يوسف، ففى عام ولادته أمر الفرعون بقتل كل ولد جديد من بنى إسرائيل بعد رؤية رآها، فاضطرت أمه لإخفائه لمدة ثلاثة شهور، لكن الله أوحى لها (….أَنْ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِى وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) «سورة طه».
وهذا يوسف تنقذه قافلة من البئر وتأخذه معها إلى مصر ويشتريه عزيزها ليتربى فى بيته وتحت رعايته (وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) «سورة يوسف»
هنا تحقق جزء من الرؤية (….وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، ثم (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ) «سورة يوسف».
أما موسى فقد دخل قصر الفرعون وحظى برعاية زوجته (وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) لكنه رفض الرضاعة من كل النسوة اللاتى كلفن بذلك، وأعاده الله لأمه لكى تطمئن بعد أن وعدها برده إليها (وَلا تَخَافِى وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ).
ولأن يوسف كان وسيمًا فقد راودته زوجة العزيز عن نفسه، فاستعصى وتذكر رؤيته ونصيحة أبيه فصرف الله عنه السوء والفحشاء (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
وهذا موسى بعد أن أصبح شاباً قوياً بدأ يتردد على أمه ويتجول فى المدينة لزيارة قومه فوجد مشاجرة بين رجل من شيعته ورجل آخر، فضرب موسى الخصم فقضى عليه، وحذره رجل بأن القوم يتربصون به للانتقام منه، فخرج مسرعًا إلى أن بلغ «مدين» على الحدود الشمالية وساعد فتاتين فى سقاية غنمهما وجلس يشكو حاله لربه (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).
وفوجئ بإحدى الفتاتين تأتى إليه استحياء وتخبره بأن أباها يدعوه ليعطيه أجر سقايته للغنم، وعندما التقيا حكى له موسى قصته، فطمأنه وعقد معه اتفاقا بأن يزوجه إحدى فتاتيه على أن يظل معه ثمانى سنوات لرعاية غنمه، فوافق موسى وزادهم إلى عشرة.
كشف التحقيق الذى أجراه العزيز عن براءة يوسف، وطلب منه نسيان ما حدث، ومن زوجته الاستغفار من ذنبها وخطأها.
لكن الخبر انتشر فى المدينة (….وَقَالَ نِسْوَةٌ فِى الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلالٍ مُبِينٍ)، فتدبرت أمرها ودعتهن ليروا ما هى فيه، وعندما خرج عليهن يوسف قطعن أيديهن، فقد كان العقل غارقًا والبصر شاردًا، وقالوا إنه ليس ببشر إنما يشبه الملائكة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ).
هنا لجأ يوسف لربه بالدعاء لينجيه مما يتعرض له، فاستجاب له وصرف عنه كيدهن، لكن العزيز رأى أن يضعه فى السجن بعض الوقت حتى ينسى الجميع – بعدما حدث – وتهدأ الأمور.
أما موسى فقد أراد العودة إلى مصر وأهله وجاءته البشارة والتكليف فى الطريق عندما رأى نارا وذهب ليحضر منها قبسا (إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِى الْمُقَدَّسِ طُوًى).
وكلف موسى بالذهاب مع أخيه هارون إلى فرعون ليطلبا منه خروج بنى إسرائيل لأرض كنعان.
وتحدث بينهما مواجهات وحوارات، تضمنتها سورة المائدة والأعراف والقصص وطه، ويتم الخروج ويتلقى موسى «التوراة» فى جبل الطور، وبعد عدة سنوات يتوفى ويدفن فى سيناء ولم يعلم أحد مكان قبره.
أما يوسف الذى استعصى على المراودة يفسر لرفقاء السجن رؤيتهما، وبعدها يرى الملك (….إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْب
-
كنت أتساءل عن سر إحسان سيدنا يوسف وهو من صغره لم يرى من الحياة إلا وجهها القاسي ؟!
-
الجبر والعوض مكافآة الإخلاص بنية لله : سامح حسين تكريم أول مرة يعملوه صح