يرجع المؤرخون والباحثون السنة والشيعة مسؤولية مقتل الحسين إلى ثلاثة أطراف وهم: أهل الكوفة، وأصحاب القيادة وهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد، والحاكم وهو يزيد بن معاوية، وتتفاوت الآراء حول مقدار مسؤولية كلٍ منهم.
فأمّا أهل الكوفة فيرى باحثون أنهم كاتبوا الحسين وطلبوه للبيعة ثم خذلوه ولم ينصروه، وأنكروا أنهم طلبوه، حيث نادى الحسين عليهم يوم عاشوراء فقال: «يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا زيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم؟» قالوا: «لم نفعل». فقال: «بلى فعلتم. أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني».
وأن أم سلمة لما جاءها الخبر قالت عن أهل الكوفة: «قتلوه قاتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله»،
وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب حيث سأله رجل من أهل العراق عن قتل الذباب أثناء الإحرام: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله ﷺ»،
ويذكر المُعمم الشيعي حسين الكوراني وغيره أن أغلب الجيش كان من أهل الكوفة فيقول: «أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون في الخروج إلى كربلاء وحرب الإمام الحسين، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيل المواقف التي ترضي الشيطان وتسخط الرحمن»،
وقد نشأت ثورة التوابين من أهل العراق من الذين ندموا على مقتل الحسين وسموا أنفسهم بالتوابين، بينما يرى آخرون أن أهل الكوفة لم يكن بأيديهم شيئًا، يقول الباحث عبد المنعم ماجد: «ولا نلقي اللوم على أهل الكوفة لتقاعسهم إذ لم يكونوا يستطيعون شيئًا أمام الحكم الأموي القوي».
وأمّا قادة جيش الكوفة، فهم المُنفذون المباشرون لمقتل الحسين، فعبيد الله بن زياد هو الذي قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة مما جعل أهل الكوفة يتراجعون عن البيعة، يقول يوسف العش: «وينبغي لنا أن نقول أن المسؤول عن مقتل الحسين هو شمر أولًا، وثانيًا عبيد الله بن زياد»، وكان الشعراء يهجون بني زياد لذلك؛ حتى قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: «لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خرامة إلى يوم القيامة، وأن حسينًا لم يُقتل». وقال ابن الصلاح: «والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد». وكذلك عمر بن سعد يُحمّله المؤرخون قسمًا كبيرًا من مسؤولية مقتل الحسين، حيث إنه المُنفِّذ والمتفاوض مع الحسين، وحاول التهرب من مسؤولية مقتل الحسين وجعلها ملقاة على ابن زياد، وأخفى الكتاب الذي أرسله له ابن زياد قبل المعركة.
أمّا الحاكم وهو يزيد بن معاوية، فيُحمّله المؤرخون مسؤولية إرسال عبيد الله بن زياد إلى الكوفة للسيطرة عليها، وأنه لم ينتصر للحسين ويأخذ بثأره أو يقتل قاتله، واختلف الباحثون فيما إذا كان يزيد قد أمر بقتل الحسين أم لا، فيرى ابن تيمية وفريق من أهل السنة والجماعة أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين ولم يُظهر الفرح بقتله،
فيقول: «إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله ﷺ وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل.» ثم يقول: «لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره.».
بينما يرى آخرون أن يزيد هو المسؤول المباشر عن قتل الحسين، وأن رأس الحسين حُمِلَ بها إليه، وأنه أهان أهل بيته ونسائه،
يقول سعد الدين التفتازاني: «والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت الرسول مما تواتر معناه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه».
وأغلب آراء علماء الشيعة تحمّل المسؤولية الكاملة ليزيد بن معاوية والوالي عبيد الله بن زياد، يقول الباحث نزار حيدر: «إن الذي قتل الحسين بن علي سبط رسول الله في كربلاء، هو النظام السياسي الذي كان يحكم بلاد المسلمين آنئذٍ.»،
ويرى جلٌ مراجع الشيعة كفرهما ويردون الآثار في الحثّ على لعنهما،
ثم يليهم في المسؤولية قادة الجيش الأموي في كربلاء: عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس وعورة بن قيس وشبث بن ربعي والحصين بن نمير السكوني،
كما يحمّل بعض علماء الشيعة مثل حسين الكوراني أهل الكوفة جزءًا من هذه المسؤولية،
وترد في كثير من الآثار والنصوص الشيعية نصوص تلعن بني أمية وآل زياد وقادة الجيش في كربلاء ومن تخاذل عن نصرة الحسين جميعًا، فجاء في زيارة عاشوراء: «وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.
الحركات التي تلت مقتل الحسين
بعد وصول خبر مقتل الحسين آفاق الدولة الإسلامية، غضب جموع المسلمين على يزيد لمقتل ابن بنت رسول الله على أيدي جيوشه. وحاول البعض الأخذ بثأره، وسعى آخرون في نزع البيعة من يزيد بن معاوية، ورأى آخرون الاعتزال وتجنب الفتن خشية إهراق دماء المسلمين. فبعد مقتل الحسين، صار شاغل يزيد أخذ بيعة عبد الله بن الزبير، خاصةً لما كان لابن الزبير من دور في تأليب المسلمين على بني أمية،
حتى أنه في موسم حج سنة 61 هـ لم يُصلّ ابن الزبير بصلاة عمرو بن سعيد بن العاص والي يزيد على المدينة، ولم يُفض بإفاضته،
بل ومنع ابن الزبير الحارث بن خالد المخزومي نائب عمرو بن سعيد على مكة من إمامة أهل مكة في الصلاة.
وفي سنة 63 هـ بعد سنتين من مقتل الحسين خرج أهل المدينة على يزيد، وطردوا عامله، فوجّه إليهم جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير، وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفًا على أهلهم، فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد، واستباح حُرماتها ثلاثة أيام، وهي ما تُعرف بوقعة الحرة
وفي 26 محرم سنة 64 هـ، وحوصر ابن الزبير 64 يومًا في مكة ونصبوا المنجنيق واحترقت الكعبة، فمني جيش ابن الزبير بخسائر كبيرة وفقد الكثير من مؤيديه.
وبعد وفاة يزيد، تواصل فئة من أهل العراق يُريدون الثأر للحسين ندمًا على تقاعسهم عن نصرته،
فاجتمع منهم جيش في ربيع الأول سنة 65هـ، وساروا إلى قبر الحسين ليبكوه ويترحموا عليه، وساروا إلى الشام في حملة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي عُرفت بجيش التوّابين، لقتال عبيد الله بن زياد الذي أمر بقتل الحسين،
فالتقوا جيشًا أمويًا في عين الوردة، وانهزم التوابون هزيمة ساحقة لقلة عددهم، وقُتل عدد من قادتهم وتمكن رفاعة بن شداد البُجليّ من الانسحاب بمن بقي منهم إلى الكوفة.
وفي ستة 66 هـ خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي يطالب بدم الحسين، وزعم أنه مُفوّض بذلك من قبل محمد بن الحنفية،
وهو ما نفاه ابن الحنفية نفسه.
ورفع شعار «يا لثارات الحسين» وانضم إليه إبراهيم بن الأشتر النخعي، وتتبع المختار من كان من قتلة الحسين في الكوفة فقتلهم،
ثم أرسل في محرم سنة 67 هـ جيشًا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد، فالتقيا عند نهر الخازر قرب الموصل، وهزم جيش ابن الأشتر جيش ابن زياد، وقُتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوني في تلك المعركة
شهيرة النجار