توفي وثروته نصف مليون جنيه وصراع شقيقه وبديعة مصابني علي شقته في الايموبيليا
أول من قدم ريا وسكينة والسينما قدمت ملامح خفيفة من عبقريته ونجاحه الطاغي
شاهدناه في السينما وهو ستيني العمر رغم بدايات السينما
الأعمال الأخيرة (1939 – 1949م
30 يوم في السجن
وحسن ومرقص وكوهين
عقب الاستعراض الأخير، مثَّل الريحاني في 6 (أبريل) 1940م المُوافق فيه 28 صفر 1359هـ مسرحيَّة بِعنوان «حكاية كُل يوم»، وتلتها مسرحيَّة «مدرسة الدَّجَّالين» في نهاية سنة 1940م. وفي المسرحيَّة الأخيرة، يسخر الريحاني من صناعة السينما في مصر. بعد ذلك أخرج مسرحيَّة «ثلاثين يوم في السجن»، التي كتبها الريحاني من خلال موضوع اقتبسه عن مسرحيَّة فرنسيَّة بِعنوان «عُشرون يومًا في الظل» (بالفرنسية: Vingt Jours à L’ Ombre). وتلى هذه المسرحيَّة ساتير آخر بِعنوان «ياما كان في نفسي» أُخرج في شهر (يناير) 1942م، ومُثِّل بِدار الأوپرا. بعد ذلك، استضافت دار الأوپرا فرقة الريحاني في عدَّة مُناسبات، منها افتتاح المسرحيَّة الجديدة «حسن ومُرقص وكوهين» التي مُثِّلت في 9 (مارس) 1943م المُوافق فيه 3 ربيع الأوَّل 1362هـ. واعتُبرت تلك المسرحيَّة إحدى أروع مسرحيَّات الريحاني على الأطلاق، وكانت أبرز دليل على بُلوغه قمَّة تطوُّره كساتيرست اجتماعي. ويُبرهن فيها الريحاني على أنَّ كُل الفُروق – حتَّى الفُروق الدينيَّة – تتلاشى بِتأثير المال. وقال بديع خيري أنَّ الفكرة خطرت للريحاني عندما ذهب وإيَّاه في إحدى المرَّات لِزيارة مريض في مُستشفى بِالفجالة. وفي أثناء سيرهما – بعد خُروجهما من المُستشفى – جذبت انتباه الريحاني لافتة متجر قريب كان ملكًا لِمسيحيّ ومُسلم. وفكَّر الريحاني مليًّا أمام هذا المتجر. فقد لاحظ كيف أنَّ الفُروق الدينيَّة ذابت بسُهولة وسط مصالح العمل، وأضاف قائلًا، إنَّ الأمر أدعى للتسلية حتمًا، لو كان للمسيحي والمُسلم شريك يهودي.
وقد حقَّقت مسرحيَّة «حسن ومُرقص وكوهين» شعبيَّة ضخمة، فقد ظلَّت تُمثَّل بِدار الأوپرا طوال شهر مارس). وفي أبريل) انتقل عرضها إلى مسرح «ريتس». وفي نهاية (مايو)، سافر الريحاني لِيُمثل المسرحيَّة بِفلسطين، ثُمَّ بالإسكندريَّة وبِمُختلف مُدن الأقاليم المصريَّة بعد ذلك.
سپتمبر) 1943م المُوافق فيه 30 رمضان 1362هـ، افتتح موسمه الجديد بِمسرحيَّاتٍ قويَّة شيِّقة. وكانت المسرحيَّة منها تُستبدَّل كُل ثلاث أو أربع ليالٍ. وبدأت – خِلال تلك الفترة – تظهر علامات الاعتلال على صحَّة الريحاني، ممَّا اضطرَّهُ إلى غلق أبواب مسرحه فجأة، في 20 فبراير) 1944م المُوافق فيه 26 صفر 1363هـ، وظلَّ المسرح مُغلقًا حتَّى شهر (مارس). وعندما استردَّ الريحاني صحته، قدَّم عرضًا بِدار الأوپرا. وانتهى الموسم في 11 (مايو) 1944م المُوافق فيه 19 جُمادى الأولى 1363هـ. وفي 30 (مايو)، وقَّع عقدًا لِتُمثِّل فرقته بِمسرحٍ صيفيّ – بالقاهرة – أنشأته دولت أبيض، زوجة المُمثل الكبير جورج أبيض. وظلَّ طوال الصيف يُمثِّل مسرحيَّة مُختلفة كُل ليلتين أو ثلاث. وعلى الرُغم من أنَّ الريحاني كان يُعيد تمثيل مسرحيَّاته القديمة، فإنَّ المسرح كان يمتلئ بِالجُمهُور كُل ليلة. وفي أغلب الأحيان، كان المُتفرجون يُشاهدون المسرحيَّة الواحدة أكثر من مرَّة. وبلغ من إقبال الجُمهُور على المسرح، أن ارتفعت مُدَّخرات الريحاني إلى نصف مليون جُنيه تقريبًا.
وفي 2 (أكتوبر)، عاد الريحاني إلى مسرح «ريتس». فأخذ – مُنذ ذلك التاريخ – يُقدِّم مسرحيَّاته القديمة، حتَّى شهر (مارس) التالي. وفي 4 (مارس) 1945م المُوافق فيه 20 ربيع الأوَّل 1364هـ، قدَّم مسرحيَّةً جديدةً بِعنوان «إلَّا خمسة»، التي ظلَّت تُعرض بِنجاح حتَّى 18 (يونيو). كما مُثِّلت بالأوپرا بِحُضور الملك فاروق.
وبِهذه المسرحيَّة انتهى موسم الريحاني. وبعد إجازةٍ أمضاها في أوروپَّا، افتتح الريحاني موسم 45 – 1946 بِآخر مسرحيَّة مُبتكرة له هي «سلاح اليوم»، التي تتضمَّن ألذع هُجوم على القيم الماديَّة لِلمُجتمع، ولم تكن تلك المسرحيَّة من اللون الكوميدي، بل كانت جادَّة، وجوُّها سادته الجديَّة، ودلَّت بِشكلٍ أو بآخر على الصراع الداخلي عند الريحاني، ومسيرة حياته حتَّى تلك النُقطة: إنسانٌ شابٌ يمر في مرحلة الفقر والعوز دون أن يتلقَّى الضربات التي يُسددها لهُ المُجتمع، بل يُواصل نضاله بِصبرٍ وجَلَد حتَّى يبلغ النجاح. ولم تنجح «سلاح اليوم»، لِأنَّ الجُمهُور لم يتذوَّقها. لكن قلَّة – من أمثال طٰه حُسين – هي التي أدركت مضمونها وأوفتها حقها من التقدير
آخر 3 سنوات
تميَّزت السنوات الثلاثة الأخيرة من حياة الريحاني بالنجاح والتقدير المُزايد. وافتتح الريحاني موسم 47 – 1948 في 2 (ديسمبر) بِمسرحيَّاتٍ قديمةٍ يُحبُّها الجُمهُور. وظلَّ يُمثلُ طوال الموسم بِمسرح «ريتس». وفي صيف سنة 1948م، انتقل مع فرقته إلى مسرح مُحمَّد علي بالإسكندريَّة، وبعدها أمضى شهرين بِأوروپَّا، ثُمَّ عاد إلى القاهرة في (أكتوبر) 1948م. وفي تلك الفترة، وقَّع الريحاني عقدًا لِتمثيل فيلمٍ جديد بِعنوان «غزل البنات» الذي قُدِّر له أن يكون آخر أفلامه وعلامة بارزة في تاريخ السينما العربيَّة والمصريَّة. وشارك نجيب الريحاني البُطولة في هذا القيلم كُلٌ من ليلى مُراد وأنور وجدي – الذي تولَّى الإخراج أيضًا – وسُليمان بك نجيب وعبد الوارث عسر ويُوسُف بك وهبي، كما ظهر المُطرب مُحمَّد عبد الوهَّاب في آخر الفيلم مُؤديًا إحدى أُغنياته. أدَّى الريحاني في هذا الفيلم دور مُدرِّس لُغة عربيَّة بسيط يُدعى «حمام» يُغرم بابنة باشا ثري، ويتراجع عن حُبِّه لها في آخر الفيلم كي لا يقف حجر عثرة في درب سعادتها، وأظهر مقدرته الكبيرة على التنقل بين الكوميديا والدراما في عدَّة مشاهد، منها أحد المشاهد الأخيرة التي كان عليه أن يبكي فيها لِفُراقه ليلى مُراد بعد أن تعلَّق بها، فبدل أن يستخدم عقار الغليسرين لِإثارة دُموعه، بكى بُكاءً حقيقيًّا على الشاشة، وقال لاحقًا أنَّهُ تمكَّن من فعل ذلك بِأن ذكَّر نفسه بِشقيقه الذي خرج قديمًا من منزلهم ولم يعد.
وبتاريخ 29 (يناير) 1949م المُوافق فيه 30 ربيع الأوَّل 1368هـ، بدأ الموسم الشتوي الجديد. وفي 23 (مايو) انتقل الريحاني إلى مسرح مُحمَّد علي بالإسكندريَّة لِإحياء موسم الصيف. لكنَّهُ أُصيب بِالتيفوئيد في 29 (مايو)، ونُقل إلى القاهرة لعلاجه
الوفاة والتيفويد وتدخل النحاس باشا لانقاذه
تُوفي نجيب الريحاني في 8 (يونيو) 1949م المُوافق فيه 12 شعبان 1368هـ، عن عمر ناهز الستين عامًا، بعد أن تفاقمت حالته بسبب التيفوئيد، والذي أثر سلبًا على صحة رئتيه وقلبه وكان سببًا أساسيًا في وفاته في المستشفى اليوناني بالعباسيَّة. وقد تضاربت الأقاويل حول مدى لحاق الريحاني بتصوير مشاهده في آخر أعماله «غزل البنات»، مما اضطر مخرج العمل، أنور وجدي، بعمل تغيير بنهاية العمل.
جاءت وفاة الريحاني بمثابة الصدمة للكثيرين، حيث أن مرض التيفوئيد لم يكن له علاج وقتها في مصر، وقد قيل أن رئيس الوزراء مُصطفى النحَّاس باشا أمر بإحضار الحقن المُخصصة لِلعلاج من الخارج وتمَّ إحضارها بالفعل. فيما كشف الناقد المسرحي أحمد سخسوخ، العميد الأسبق لمعهد الفنون المسرحيَّة، عن أنَّ وفاة الريحاني كانت بسبب إهمال مُمرضته بالمُستشفى اليوناني، حيث أعطته جرعة زائدة من عقار الأكرومايسين ليموت بعدها بِثوانٍ.
وكانت زوجة الريحاني الألمانيَّة لوسي دي فرناي قد قدمت إلى مصر للوُقوف إلى جانب زوجها، وأشارت جينا الريحاني – ابنتهما – أنَّ والدها توفي في أثناء غياب والدتها عند مُدير المُستشفى لِتطلب وُجود أحد الأطباء إلى جانبه بعد أن زادت صحته سوءًا، فلمَّا عادت وجدت إحدى المُمرضات تبكي خارج الحُجرة، فدخلتها لِتجد بأنَّ زوجها قد أسلم الروح. وقد أغلق الأطباء الحُجرة على الجُثمان ومنعوا أيًّا كان من دُخولها كي لا يُصاب بالعدوى، ثُمَّ نُقل الجُثمان إلى مكانٍ آخر.
وكان لِنبأ وفاة الريحاني وقعٌ أليم في أنحاء مصر، وُصف بأنَّهُ «لا يقل في أثره عن وقع كارثة قوميَّة»،
واشتركت الأُلوف في تشييع جنازته، ورثاه الملك فاروق الأوَّل وعميد الأدب العربي الدُكتور طٰه حُسين، فقال الأخير في رثائه:
أرسل الريحاني نفسه على سجيَّتها، فملأ مصر فرحًا ومرحًا وتسليةً وتعزية. ولو قد فرغ الريحاني لِنفسه، عكف على فنِّه، واستأنى في الإنتاج، لكان آيةً من آيات التمثيل، لا أقولُ في الشَّرق، بل أقولُ في العالم كُلِّه. فقد كان الريحاني مُمثلًا عبقريًّا ما في ذلك شك، ولكنَّهُ مُنع الرَّاحة، وحُرِّمت عليه الأناة، وحيل بينهُ وبين التمهُّل. رأى النَّاس محزونين يلتمسون عندهُ لبعزاء والرِّضا والتخفُّف من أعباء الحياة، حين يتقدَّمُ النهار وحين يُقبلُ الليل، فمنحهم ما كانوا يلتمسون فيه في غير بُخلٍ، ولا تردُّدٍ، ولا تفكيرٍ في العاقبة
الريحاني يرثي نفسه والصراع علي تركته
ومن الأُمور الطريفة الجديرة بِالذكر، أنَّ الريحاني كان قد رثا نفسه قبل وفاته بِخمسة عشر يومًا بِطريقةٍ فُكاهيَّة فيها نفحة من الألم، فقال: «مات نجيب. مات الرَّجُل الذي اشتكى منهُ طوب الأرض وطوب السَّماء إذا كان للسماء طوب.. مات نجيب الذي لا يُعجبه العجب ولا الصيام في رجب… مات الرَّجُل الذي لا يعرفُ إلَّا الصراحة في زمن النفاق.. ولم يعرف إلَّا البحبوحة في زمن البُخل والشُّح.. مات الريحاني في 60 ألف سلامة».
وبعد وفاة الريحاني، انتقل شقيقه يُوسُف للعيش في شقة نجيب بِعمارة الإيموبليا ليندلع الصراع بينه وبين بديعة مصابني، أرملة نجيب، على التركة وتحجز المحكمة على التركة والشقة لِصالح بديعة. إلَّا أنَّ يُوسُف نجح بدوره في إثبات وقوع الطلاق بين بديعة ونجيب قبل وفاته لِتُصبح التركة من نصيب يوسف الريحاني. وفي نفس عام الوفاة، قام طلعت حسن، مُدير مسرح الريحاني، ببيع كُل ما يملكه الريحاني بِالمسرح لتجار الروبابيكيا بما فيها الملابس التي كانت بحوزة خيَّاطة فرقة الريحاني يونانيَّة الجنسية. وفي سنة 1961م، تم بيع مقتنيات شقة الريحاني بالمزاد العلني لسداد مبلغ 200 جنيه مُستحقات الضرائب. ولم يُحاول أحد تدبير هذا المبلغ سواء يُوسُف الريحاني الذي رحل عن الحياة بعد أيام قليلة من هذا المزاد،
وتحديدًا يوم 22 (أغسطس) 1961م، أو بديع الريحاني الذي كان قد سافر إلى بريطانيا لدراسة الهندسة وتزوج من فتاة بريطانيَّة، تُدعى مرگوري فرانك روبين، وعادت معه لِمصر ليعيش في منزل من طابقين بِالمعادي، حيثُ نقلا إليه كُل ما تبقى من مُقتنيات عمِّه نجيب الريحاني ومُعظمها كان أُصول مسرحيَّات ولوحة كبيرة للراحل بألوان الگواش، رسمها الفنان الإيطالي بابادوبلو عام 1918م وأمامه شخصية كشكش بك التي اشتهر بها في المسرح. وقد أهدى بديع الريحاني هذه اللوحة لدار الأوپرا في بداية التسعينيَّات وما زالت موجودة في متحف الأوپرا
شهيرة النجار