بورتريه

الدكتور محمد زكريا عناني نقطة ومن أول السطر كيف تكون إنساناً

شارك المقال

لا يمكن ان اترك خبر رحيل أستاذي الدكتور محمد زكريا عناني آخر أساتذة الجيل العظيم الكبير تمر دون أن اذكره

فالجامعات فيها من الأساتذة والتلاميذ الكثيرون
لكن فقط أقف عند زكريا عناني ليس أستاذ النقد والحاصل علي أعلي أوسمة الدولة
ولا الجمعيات التي رأسها ولا الجامعات التي حاضر فيها
ولا الطلاب الذين تتلمذوا علي يديه

ولكن أقف عند إنسانية واحدة كافية ان تجعل من تقع عيناه علي تلك السطور وكان قاطعا للأرزاق أو مؤذيا أن يراجع نفسه

عناني كان إذا وجد شخصاً مهما كانت جنسيته
بلده
ظروفه مهما كان وفيه بذرة موهبة وفي إمكانه مساعدته يفعل دون تردد

وهكذا غير مسار مئات الطلاب بأن شجعهم علي استكمال مسيرة العلم والحصول علي الماجستير
والدكتوراه بل ساعدهم أن يلتحقوا بالعمل في جامعات داخل وخارج مصر
ولن أذكر اسماء لأنهم الآن في مكانة إجتماعية مرموقة ولكن ذلك كان بفضل الله ثم الراحل زكريا عناني
الصيف قبل الماضي طلبت زيارته بكلية الآداب جاء لمقابلتي
يومها رأيت عنده شابا أربعيني من الصعيد
الشاب بكل فخر حكي أمام الجميع أنه كان حاصل علي دبلوم صنايع وكان يعمل أعمال بسيطة في الصعيد
ذات يوم كان الدكتور زكريا عناني في رحلة مع أسرته للأقصر وأسوان قابل هذا الشاب أعجب بحماسه
طالبه ان يدرس الثانوية العامة من جديد
فعل الشاب ذلك
طالبه ان يلتحق بكلية الآداب في الصعيد
فعل الشاب

ساعده ان يوجد له عملا كمدرس في دولة عربية كبري براتب خيالي
ثم طالبه ان يقدم للماجستير
ثم الدكتوراه وساعده
واليوم الذي كنت أزوره فيه كان الشاب في زيارة لمصر بالصيف ويرتب لميعاد مناقشة الدكتوراه
ليس هذا الشاب فقط
المفاجأه من الشاب ذاته ان الدكتور عناني جعل شقيقه الأصغر يسلك نفس المسلك وأصبح الشقيقان بعدما كانا عاملين بالأجرة أصبحا أساتذة في أكبر مدارس عربية
وحاصلين علي الدكتوراه بفضل الله ثم هذا الرجل العظيم
وقس علي ذلّك مئات من تلامذته
قس علي ذلك مساعدة الشعراء والأدباء في زمن عز فيه تكريمهم حيث كان يشتري بالمائة نسخة من الشعراء قائلاً لهم الناس بتسال علي الديوان بتاعكم وأنا مش ملاحق طبعاً كدب ولكن
حتي يجبر خاطرهم
ويأخذ الكتب ويضعها في شنطة سيارته
ويوزعها مجاناً علي كل من يقابله
حتي يشجع هذا
ويجبر خاطر ذاك

تقلد العظيم زكريا عناني العديد من المناصب وشارك في العمل السياسي كرئيس لجنة الثقافة بالمجلس المحلي منذ 30 عاماً تقريباً
وكان رئيساً لهيئة الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية
وحصل علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب
وشارك في لجان وتحكيم آلاف المسابقات بمصر والوطن العربي
وكان أديبا وناقدا وشاعرا بجانب أستاذيته وأشرف علي مئات الرسائل العلمية

يكفي القول ان الطلبة كانت تنتظر أعواماً حتي تسجل الماجستير والدكتوراه معه ليه؟
لانه كان بيشتري للطلبة علي نفقته الكتب بل أحياناً يدفع عنهم نفقات التسجيل بالكلية وهذه مبالغ كبيرة ويعطبهم المراجع بل أحياناً في سفرية له تجده حاملاً كتبا لتلاميذه تساعدهم علي البحث المتخصصين فيه ويساعدهم ينجزوا حتي يشقوا طريقهم ايوا

زكريا عناني كان نموذجاً للإنسان المتصالح مع نفسه لم تجده يوماً يعيب في أحد
لا ينشغل بغيره
ولا يدخل في مؤمرات من تلك التي يدبرها زملاء كل مهنة لبعضهم البعض بل كان حمامة سلام بين الجميع
لايريد ان يؤذي زميلا من أصحابه
كلما سافر لإعارة عاد لزملاؤه محملا بالعقود للعمل معه
أو باحثاً لهم عن عمل هناك فحلم الأستاذ الجامعي إعارة خارج مصر لتكوين نفسه
كان زكريا عناني بيعمل كدا مع كل الناس
سواء يعرفهم
أو لا يعرفهم
يسير في الرزق للناس
ويسعي لفتح البيوت
وأعتقد هذا وأحسبه كفيلاً بجعله عند الله في مكانة عظمي
دائماً ندعو اللهم ما بيني وبينك فأغفره لي ما بيني وبين عبادك فتوله عني
يعني ربنا بيسامح فيما بين العبد وبينه من تقصير في صلاة أو صيام أو عبادات أمرنا الله بها دي حاجات بتاعة الخالق
أما أذيةً البشر لبعضهم البعض وظلمهم وقطع أرزاقهم فهذه يقول الله يوم القيامة لعبده ليست لي فهذه بينك وبين العبد الذي اذيته لا استطيع مسامحتك عليها
بينك وبينه
لذلك قالوا ربنا مش بيأخذ بالعبادات
ربنا بيأخذ بالمعاملات
يعني بالمعاملة بين العبد والعبد
تخيلوا بقا واحد مثل الدكتور زكريا عناني فتح كام بيت
غير حياة كام شخص كانت من العدم وجعلهم ذوي حيثية
ساعد كام إنسان
جبر بخاطر كام أديب وشاعر ومدرس وتلميذ
وإنسان؟
يبقي هو عند ربنا اي؟
علي مدار عمره حتي قبل وفاته بشهور قليلة

لقد كنت من المحظوظات اللائي منحني الله التتلمذ علي يد هذا العظيم وتعلم الحياة ومعاملة الناس انقطعت دروب الحياة ولكن عندما كان يتصادف مقابلتي كان يقول لي أنا فخور بكي
كانت له مكانةً مختلفة عندي
كان مرجعية أدبية لي عندما شققت طريقي المهني وسجلت الماجستير معه ولكن انصرفت عنها ولم أكمل بسبب العمل الصحفي وكثيراً ماكان يعاتبني علي ذلك
ألف رحمة ونور عليك يا دكتور زكريا

شهيرة النجار