المرحلة الأولى تسمى “يوم الموت”، وهو اليوم الذي ينتهي فيه عمر الإنسان. في هذا اليوم، يأمر الله الملائكة في السماء بالهبوط إلى الأرض لأخذ روح الإنسان، تمهيدًا للقاء ربه.
للأسف، لا أحد يستطيع أن يهرب من هذا المصير المحتوم.
لا يعلم الإنسان شيئًا عن يوم موته، وحتى عندما يحل هذا اليوم، لا يدرك أنه يوم وفاته. ومع ذلك، يشعر الإنسان بتغيرات جسدية في ذلك اليوم. فمثلاً، ينشرح صدر المؤمن ويغمُره شعور عميق بالسعادة والراحة، بينما يشعر الإنسان الذي ارتكب الكثير من الأعمال السيئة بالعكس تمامًا.
يشعر الإنسان بضغط شديد في صدره وقلبه خلال هذه المرحلة. في هذا الوقت، تُنزَل الملائكة بينما ترى الشياطين والعفاريت ذلك، لكن الإنسان لا يستطيع رؤيتهم. وقد ورد وصف هذه المرحلة في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ..﴾ (سورة البقرة – الآية ٢٨١).
بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية، وهي أخذ الروح تدريجيًا. تبدأ هذه العملية من باطن القدم، ثم ترتفع الروح صعودًا فوق الساقين والركبتين والقدمين، ثم فوق البطن والسرة والصدر، حتى تصل إلى منطقة في جسم الإنسان تُسمى “التراقي”. في هذه المرحلة، يشعر الشخص بالتعب الشديد والدوار، وكأنه تحت ضغط ثقيل.
صبح الإنسان غير قادر على الوقوف، وتضعف قوته الجسدية بشكل ملحوظ، رغم أنه لا يزال غير مدرك لأن روحه بدأت تخرج من جسده.
ثم نصل إلى المرحلة الثالثة التي تُسمى “التراقي”، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)﴾ (سورة القيامة).
التراقي هي عظمان يقعان تحت الحلق وتمتدان إلى الكتفين، وهنا يقول الله تعالى: “وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ”، أي من يفصل روحه عن جسده.
ويقال إن من يحمل روحه ويقبضها، أي من يريد أن يأخذ روحه، هل هم ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب الذين يجتمعون حوله. كلمة “من راقٍ” تعني من الذي يرفع روحه.
في هذه اللحظات، يرى أقاربه من يدعو لاستدعاء الطبيب، ومن يقترح الاتصال بالإسعاف، ومن ينصح بقراءة القرآن عليه. رغم كل هذه الأجواء، يبقى الإنسان يأمل في العودة للحياة، ولا يزال لا يصدق أن روحه تغادر جسده. (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) — حتى الآن.
لم يتيقن بعد من الموت، ولا يزال يكافح من أجل البقاء. لكن الله تعالى يقول:
(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) — هنا يكون الأمر قد انتهى، إذ خرجت الروح من الساقين ولم يعد قادرًا على تحريكهما.
ثم يخرج الروح من الجسد ويصل إلى التراقي كما في قوله تعالى:
(كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) (سورة القيامة: الآية ٢٦).
وبذلك تبدأ المرحلة الرابعة من الرح
تسمى هذه المرحلة “الحلقوم”، وهي المرحلة الأخيرة من الموت، وصعبة للغاية على الإنسان. السبب في ذلك هو إزالة الحجاب والستار عن عينيه، فيبدأ برؤية الملائكة الحاضرين حوله.
من هنا تبدأ مرحلة رؤية الآخرة، كما قال الله تعالى:
﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
(سورة ق – الآية ٢٢).
ولهذا السبب سميت هذه المرحلة بـ”الحلقوم”.
سبب تسمية هذه المرحلة بـ”الحلقوم” هو ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم:
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)}
(سورة الواقعة).
في هذه الآيات، يخاطب الله الأشخاص الموجودين حول الإنسان المحتضر، قائلاً إنكم في مكان وهو في مكان آخر؛ أنتم ترون شيئًا وهو يرى شيئًا مختلفًا تمامًا.
إنه يرى رحمة الله، أو -والعياذ بالله- يرى غضبه وعذابه إذا كان مذنبًا. لهذا تراه يحدق في نقطة معينة، بينما يقول الله:
”وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ”.
هذه المرحلة من أصعب لحظات قبض روح الإنسان، لأنه يدرك حقيقة وعود الله بكل كيانه، ويرى الملائكة، وتشهد عيناه على كل أعماله في الحياة تمر أمامه.
عند هذه النقطة تحدث “فتنة الممات”، التي يمر بها الإنسان في لحظة انتقاله من الدنيا إلى الآخرة.
الفتنة التي يمر بها الإنسان عند الموت هي فتنة الشيطان، حيث يحاول أن يزرع الشك في قلب المحتضر تجاه معتقداته: شك بالله، بالنبي، بالدين، بالقرآن، وكل ما يؤمن به. يبذل الشيطان كل قوته ليجعل الإنسان يخرج من الدنيا كافرًا.
في هذه اللحظات الأخيرة، يكون الشيطان مقتنعًا بأن الوقت قد حان، ويرى ملك الموت يقترب ليقبض الروح، فيضاعف جهوده ويحاول توجيه الضربة النهائية، التي تكون أقوى من أي وقت مضى.
لهذا، أمرنا الله أن نلجأ إليه في هذه الفتنة، فقال تعالى:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)﴾
(سورة المؤمنون).
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
”مَن عاش على شيء مات عليه”.
إذا عشت حياتك متمسكًا بالإسلام، ومحبة الله سبحانه وتعالى، ورسوله الكريم، وأهل بيته والصحابة، فسوف تخرج من الدنيا على هذا الحال.
في هذه اللحظات الأخيرة، يظهر الشيطان للشخص المحتضر أحيانًا على هيئة أحد أقاربه، ليزيد من إغوائه ويخلط عليه الأمر.
في هذه الفتنة، قد يظهر الشيطان على هيئة شخص مات قبلك، وهو يصرخ بصوتٍ عالٍ:
”أنا مت قبلك، والإسلام ليس دين الحق، والنبي لم يأتِ بدين الحق”،
ثم يدعو الإنسان لأن يكفر بكل شيء.
ويُؤكد القرآن هذا المشهد في قوله تعالى:
﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾
(سورة الحشر – الآية ١٦).
هنا تبدأ المرحلة الخامسة، وهي دخول ملك الموت (عليه السلام).
في هذه المرحلة، يفهم الإنسان تمامًا ما إذا كان من أهل الرحمة أو من أهل العذاب. يرى نتيجة أعماله ويطلع على مصيره النهائي.
وقد وصف نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) هذه المرحلة بالتفصيل، لتكون عبرة وعظة.
خصوصًا لأولئك الذين ارتكبوا العديد من الذنوب والمعاصي ولم يتوبوا، وحملوا على أكتافهم أوزار الذنوب.
يقول الله تعالى:
﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾
(سورة النازعات – الآية 1).
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك مجموعة من الملائكة في الجحيم، يهيئون كفناً من النار ويقبضون روح الإنسان العاصي بأسلوب مؤلم وقاسٍ، نزع الروح بغلظة.
وفيما يتعلق بصعوبة هذه المرحلة، يقول الله تعالى:
﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾
(سورة محمد – الآية 27).
بعد هذه المرحلة نصل إلى المرحلة النهائية، وهي المرحلة السادسة من رحلةالموت
يدخل ملك الموت (عليه السلام) حين تصبح روح الإنسان متهيأة، وقد وصلت إلى أعلى نقطة ممكنة بعد مرورها بمرحلة التراقي، واستقرت في الفم والأنف، وهو مستعد للخروج والتسليم.
إذا كان الإنسان عاصيًا، يقول له ملك الموت:
”يَا أَيَّتُهَا الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ اُخْرُجِي إِلَىٰ نَارٍ وَنَيْرَانٍ وَرَبٍّ مُنْتَقِمٍ غَضْبَانٍ”.
في هذه اللحظة، يصبح الوجه الباطني للإنسان أسودًا، ويصرخ قائلاً:
﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ (سورة المؤمنون – الآية 99)
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ (سورة المؤمنون – الآية 100)،
لأنه لم يعمل صالحًا في حياته.
ولكنه يواجه صوت الحق الذي يخاطبه:
﴿كَلَّا ۖ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (سورة المؤمنون – الآية 100).
وهنا يقول الله تعالى:
﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۚ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (سورة ق – الآية 19).
معنى “سكرة الموت” هو أن كل شيء يُغلق ويُقفل؛ جميع أجهزة وأعضاء الجسم تتوقف، ولا توجد فرصة للحركة أو الهروب.
وهي اللحظة التي هربت منها طوال حياتك، كما يقول الله:
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ (سورة الجمعة – الآية 8).
أما إذا كان الإنسان من المؤمنين، فيُقال له:
”اخرجي أيتها الروح الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى روحٍ وريحان، وربٍّ غير غضبان.”
فتخرج روحه بسلاسة ويسر، كما تسيل القطرة من فم السقاء، وفي رواية أخرى:
”تُسلُّ روحه كما تسلُّ الشعرة من العجين”، أي أنها لا تتأثر ولا تتعذب.
قال تعالى:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
(سورة الفجر – الآيات 27-30).
الكلمة الأخيرة:

سُئل أحد مفسري القرآن: لماذا نخاف الموت؟
فأجاب: لأنكم عُمّرتم الدنيا وخربتم الآخرة…
شارك هذا الكلام أو انشره، ليكون سبب توبة الكثيرين بعد أن يعرفوا حقيقة الدنيا التي نعيشها.
اللهم إني أسألك حسن الخاتمة
وفي الختام، تذكّر أن الموت هو الحقيقة التي لا مهرب منها، وهو الباب الذي ينتقل بنا إلى دار القرار. فليكن استعدادنا له بالتوبة الصادقة والعمل الصالح، والتمسك بإيماننا القوي، حتى نلقاه بقلوب مطمئنة ووجوه باسمة.
اللهم اجعلنا من الذين إذا جاء أجلهم قالوا ربنا رضينا وقنا عذاب النار، وارزقنا حسن الخاتمة، واغفر لنا وارحمنا برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين.
شهيرة النجار