مر عبد الله بن مسعود ذات يوم بالكوفة، فإذا فتيان قد اجتمعوا يشربون الخمر، ولهم مُغن يقال له «زاذان» يُغني، وكان حسن الصوت!
فقال عبد الله بن مسعود : ما أحسن هذا الصوت لو كان في القرآن!
وجعل رداءه على رأسه ومضى، فسمعه «زاذان»، وقال: من هذا؟
فقيل له: عبد الله بن مسعود صاحب رسول اللہ ﷺ!
فكسر «زاذان» العود، وجعل يركض حتى أدرك ابن مسعود، وتاب، ولازمه حتى تعلم منه القرآن، وصار إماماً في العلم، وروى الحديث عن جمع من الصحابة منهم ابن مسعود وسلمان الفارسي!
ما أحسن هذا الصوت لو كان في القرآن!
كلمة حلوة حانية نقلت «زاذان» من الطرب إلى القرآن، ومن العود إلى كتب الحديث، ومن الطبلة والمزمار إلى حِلق الفِقه!
، فإنها تصنع بشراً آخرين، تُغيرهم جذرياً، وتقلبهم رأساً على عقب!
كان البخاري في أول شبابه يحضر مجلس إسحاق بن راهويه، فقال إسحاق: من ينشط منكم لجمع الصحيح؟!
فوقعت مقولة إسحاق في قلب البخاري، فشمّر عن ساعديه، وكتب لنا أصح كتاب بعد القرآن الكريم، ليكون كل هذا في ميزان ابن راهويه بكلمة قالها!
وكان الشافعي في أول شبابه مقبلاً على الشعر، فقال بيتاً عذباً عند كاتب مصعب الزبيري،
فأعجبه ذلك من الشافعي ورأى فيه ذكاء وفهماً،
فقال له: أين أنت من الفقه يا شافعي؟!
فوقع ذلك في قلب الشافعي، فشمّر عن ساعديه، وملأ الأرض علماً وفقها، ليكون كل هذا في ميزان كاتب قال كلمة طيبة!
وكان الذهبي في أول شبابه يدرس عند الإمام البرزالي، فطلب منه البرزالي أن يكتب له رسالة، فلما قرأها، قال له: يا شمس الدين الذهبي إن خطك يشبه خط المُحدثين!
فوقع ذلك في قلب الذهبي، فشمّر عن ساعديه، حتى صار إمام المسلمين في الجرح والتعديل، ثم أخرج لنا سير أعلام النبلاء، ليكون كل ذلك في ميزان البرزالي بكلمة واحدة قالها!
وجهوا الطاقات، وضعوا الأقدام على أول الطرق،
فقد يمشي أحد ما طريقاً في خير لا ينقطع حتى يوم القيامة، وتجني أجر كل هذا الخير، بكلمة واحدة تقولها!
شهيرة النجار