كنت قد وعدت باستكمال حوارات جلال بك علوبة قائد اليخوت الملكية بعدما سطرت ثلاثة أعداد عنه بمناسبة ثورة 23 يوليو، وتوقفت نتيجة كتابتى فى أعقاب نبأ رحيل شويكار تلك الحالة النادرة فى عصر فن مصر الذهبى، ووجدت عدداً من القراء يطالبنى بالكتابة حول حقبة جلال بك علوبة، والحقيقة حتى لا أثقل على القارئ العزيز سأسطر بعضاً من آرائه التى تحدثت إليه فيها، فكنت قد تحدثت إليه حول موضوعات الأسلحة الفاسدة وشائعات علاقة الملك فاروق بكاميليا وسامية جمال، وكنت قد سطرت لكم الموقف الحقيقى للملك فاروق من زواج أم كلثوم بخاله الوصى على العرش شريف باشا صبرى.
سألت جلال بك علوبة: هل صحيح أن الملك فاروق كان متعسفاً فى الحريات ولا يستطع أحد نقد أى شىء يخص الأسرة الحاكمة؟.. فقال جلال بك: إن هذه الشائعات عارية تماماً من الصحة، فتلك الحقبة شهدت حريات ما بعدها حريات حتى النقد فى الذات الملكية وما كان يشاع أن الملك كان يحبس من يطالبون برحيل الإنجليز عن مصر فهو واهم، لأن فاروق كان يمقت الإنجليز، ولكن لم يكن متاحاً طردهم خاصة وهم مسيطرون على قناة السويس، حتى عندما كان فى عصر والده الملك فؤاد حدثت واقعة تخص عرضه وشرفه، حيث هاجم الشاعر بيرم التونسى الملك فؤاد وادعى علاقته غير الشرعية بالملكة نازلى، وراح خياله أنه يقيم معها فى القصر دون زواج ولم يطلق بعد الملكة شويكار الزوجة الأولى للملك فؤاد، وادعى أن نازلى حامل، ثم بعد ذلك كتب أنها أنجبت بنتاً داخل القصر دون أن يتم الإعلان عن ذلك وأن فؤاد بعدما حدث أمر الحمل والولادة لبنت تزوجها حتى لا يهاجمه أحد، ولاحظى الكلام الخطير فى الأعراض الذى كان يتم نشره بصحف وعلى لسان شاعر كبير له جماهيرية وشعبية وقتها وهو بيرم التونسى، ورغم ذلك لم يتفوه الملك فؤاد بشىء حتى تم الإعلان عن أن الملك متزوج من الملكة نازلى وكان قد طلق الملكة شويكار، قد أنجبت زوجته نازلى أول الأبناء وكان ولى العهد الملك فاروق، (كان ذلك بعد شهرين من شائعات بيرم التونسى أن فؤاد أنجب بنتاً من نازلى) ليسقط كلامه فى القاع وتكون الملكة نازلى متزوجة بالفعل من فؤاد وحامل ولكن تنجب ولداً وليس بنتاً هو فاروق، فكان أكبر رد على شائعات بيرم التونسى، ماذا فعل الملك فؤاد صاحب السلطة العظمى فى مصر تجاه بيرم؟ كل الذى فعله هو نفيه خارج مصر، وأين كان مكان النفى؟ إلى بلاده الأصلية تونس، نفاه لبلده أعاده لها، يعنى لم يحبسه ولم يأمر بقتله أو كما كنا نسمع شائعات سيارة مجهولة تضرب فلاناً فى قارعة الطريق أو فلاناً انتحر بإلقاء نفسه من الطابق كذا أو فلاناً تناول جرعة مخدرات زائدة أو سم فئران، الملك فؤاد نفاه لتونس، ماذا فعل الملك فاروق بعدما تولى الحكم يعنى مر على عمره 17 أو 18 عاماً؟ أمر فاروق بإعادته لمصر وهو الذى طعن فى شرف والدته الملكة ووالده الملك وادعى أن فاروق كان بنتاً وجاءت بعلاقة غير شرعية.. هذه هى الحرية فى عهد فؤاد وابنه فاروق.
- خرجت الطهارة من بيت الدعارة
وإليكِ القصة الثانية التى تثبت أن الحريات فى عهد فاروق لم يمسها أحد، وكان الكتّاب والصحف تكتب ما تريد، فعندما تزوج الملك فاروق من صافيناز ذو الفقار الإسكندرانية والتى أصبحت فيما بعد الملك فريدة وكانت قصة الحب المشتعلة بينهما، والزواج والإنجاب لبنات لم يكن سبب الطلاق والانفصال كما ادعى، وكتب مؤرخون فيما بعد أنه بسبب نزوات وسهرات فاروق وإهماله لها، وإنما لأن الملكة الأم نازلى عكرت صفو الحياة بالإلحاح عليها فى إنجاب ولد، وكانت فريدة ذات شعبية كبيرة أغضبت نازلى وهذا كان سبب الخلاف الرئيسى، مرت الأيام وتم الطلاق بين فريدة وفاروق فخرجت مانشيتات الصحف وقتها تكتب: «خرجت الطهارة من بيت الدعارة»، ويقصدون بذلك الطهارة أى الملكة فريدة وبيت الدعارة هو قصر عابدين، إذ كانوا يطلقون على قصر الملك أنه ماخور لكل الموبقات خمور ولعب بوكر وسهرات وحفلات ماجنة، رغم أن ذلك على أرض الواقع غير صحيح فلو قدر وكانت توجد حفلة فهى لمناسبة دبلوماسية أو عيد ميلاد ويقدم فيها المشروبات التى تقدم فى كل قصر وبيت فى تلك الحقبة، ولا كلام تافه مما كان يتم ترديده أن الملك له عشيقات وكان يستقبلهن فى قصره، فهذا غير حقيقى والملك فى دار الحق ولا أريد منه شيئاً، رحم الله الاثنان الملك فاروق واللواء جلال علوبة أيضاً، ولكن أضيف أنا على شهادة الراحل جلال علوبة أن مانشيتات «خرجت الطهارة من بيت الدعارة» وقتها كان خلفها كتائب حسن البنا الإخوانية التى كانت تسيطر من الباطن على بعض الصحف وتدخل فى تنظيمات الحركات الطلابية والوطنية دون أن يشعر أحد، وفى كل الأحوال لم يأخذ الملك فاروق منهم الموقف الذى كان يمكن أن يأخذه حاكم ذو سلطة مطلقة، أو حتى باشا له نفوذ وسلطات وسيطرة على بعض الكتّاب والصحف مثلما يحدث فى العصر الحديث والمعاصر، فما أن يهب كاتب فى نبش قضية فساد تخص رجل أعمال أو سيدة مجتمع أو حتى ينشر خبر زفاف أو حفل أو نبأ وفاة لا يريده صاحب أو بطل الخبر تجد الدنيا تكالبت عليه وبطريقة «…واللى فيها تجيبه فيك» تجد بعد ظهور السوشيال ميديا حروباً وتشويه صورة من يتحدث فى قضايا فساد وشراء لذمم ونفوس وتظهر السلطة لديهم متمثلة فى المعارف، وتسمع الجملة الشهيرة «إنت مش عارف أنا مين»، وفجأة عزيزى القارئ تجد جملة «دى حرية أنتم ليه بتتدخلوا فى الحياة الشخصية للناس وخليكوا فى حالكوا»، وكذلك جُمل من عينة «صحافة صفراء لأ دى صحافة ابتزاز لا دى صحافة عشان تجمع ترند»، كل هذا الإلهاء للناس وأصبح انتقاد مسئول أو وزير أسهل وأيسر من انتقاد تلك الفئة المدعية للشرف ولكنها تملك المال وتعرف كيف تسيطر على أصحاب الأقلام، إما بتكميمهم أو تشويههم أو إيقافهم والأخيرة لها طرق معروفة ومعلومة، الذين يكممون الأفواه هم أصحاب المال الفاسد والحرام، والذين تربحوا من أموال الدولة أو استغلوا سلطة مؤقتة أو نفوذاً لهم أو لغيرهم، هؤلاء هم من يجرّمون حرية الصحافة وليس الدولة ذاتها، هؤلاء هم سرطان الصحافة والقلم الشريف فى كل زمان ومكان، هؤلاء بعض أصحاب المناصب الذين لا يعملون وإذا انتقدتهم يشهرون سلاح الابتزاز والتشهير لهم يريدون أن يكونوا بعيدين عن أعين السلطة الرابعة.
شهيرة النجار