حزب البَحرِ للإمام الشَاذِلِيّ
مقدمة عن الحزب المبارك:
وهذا الحزب يعتبر من أشهر وأظهر أحزاب الإمام الشاذلي، ويعتبر من أجَلِّ الأوراد الشاذلية المباركة، بل وانتشر واشتهر عند كثير من الطرق الأخرى، وجعله بعض القادرية من أورادهم المباركة، وله من الفضائل والخصائص ما لا تحيط به الأفهام والعلوم وقيل إن فيه الاسم الأعظم، وسمي حزب البحر لأنه وضع في البحر، ولما ورد فيه من ذكر البحر، ويسمى الحزب الصغير أيضاً.
قال عنه الإمام الشاذلي: وهو حزب عظيم القدر ما قارئ على خائف إلا أمن، ولا مريض إلا شفي، ولا على ملهوف إلا زال عنه لهفه، ولو قارئ حزبي هذا على بغداد ما أخذتها التتار، وما قارئ في مكان إلا سلم الآفات وحفظ من العاهات وسميته: (العدة الوافية والجنة الواقية)، فمن قرأه عند طلوع الشمس أجاب الله دعوته وفرج كربته ورفع قدره وشرح صدره وأمن من طوارق الجن والإنس ولا يقع عليه نظر أحدٍ من خلق الله تعالى إلا أحبه وأجله وأكرمه ومن قرأه عند الدخول على الجبارين أمنه الله تعالى من شرهم ومكرهم، ومن داوم على قراءته ليلاً ونهاراً لا يموت لا غريقاً ولا حريقاً ولا مغتالاً وإذا احتبس الريح أو زاد في البحر فقرئ أذهب الله عنهم ما يجدونه بإذن الله تعالى ومن كتبه وعلقه على شيء كان محفوظاً
بإذن الله تعالى ومن قرأ سورة الحمد سبع مرات وسورة قريش إحدى وعشرين مرة ثم قرأ هذا الحزب ثلاث مرات في أية حاجة قضيت كائنة ما كانت.
وقال عنه الإمام الشاذلي
: لو ذكر حزبي في بغداد لما أخذت وهو العدة الكافية التي فيها تفريج الكروب وما قارئ في مكان إلا سلم من الآفات وفي ذكره لأهل البدايات أسرار شافية ولأهل النهايات أنوار صافية ومن ذكره كل يوم عند طلوع الشمس أجاب الله سبحانه وتعالى دعوته وفرج كربته ورفع بين الناس قدره وشرح بالتوحيد صدره وسهل أمره وكفاه شر الإنس والجن ولا يقع عليه بصر أحد إلا أحبه وإذا قرأه عند جبار أمن من شره ومن قرأه عقيب كل صلاة أغناه الله سبحانه وتعالى عن خلقه وآمنه من حوادث دهر ويسر له أسباب السعادة في جميع حركاته وسكناته ومن ذكره في الساعة الأولى من يوم الجمعة ألقى الله محبته في القلوب.
وقال عنه الإمام الشاذلي
والله إن في حزبي هذا اسماً يمشى به على الماء ويطار به في الهواء والسماء لو كتب على ريشة وطرحت في البحر لانشق البحر ومضى الاسم إلى قعر البحر.
وقال صاحب كشف الظنون: حزب البحر للشيخ نور الدين أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي الشاذلي اليمني المتُوفِّيَ سنة 656 ستة وخمسين وستمائة، وهو دعاء مشهور سمي به لأنه وضع في البحر وللسلامة فيه حين سافر في بحر القلزم فتوقف عليهم الريح أياما فرأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في مبشرة فلقنه إياه فقرأه فجاء الريح ويسمى أيضاً بالحزب الصغير أوله يا الله يا علي يا عظيم يا حليم ألخ. ولو أردت سرد أقوال العلماء والعارفين في فضائل هذا الحزب لمبارك لاحتجت لكتاب خاص لعله يفي بحقه من الثناء عليه ولكن أكتفي بما ذكره الإمام الشاذلي، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا ببركته آمين.
سندنا الشريفة في الحزب المبارك:
ونروي هذا الحزب المبارك من طريق السادة
الشاذلية الذين أكرمنا الله تعالى بالاتصال بأسانيدهم الشريفة من عدة طرق ولله الحمد وسنذكر هنا واحداً من أسانيدنا الشاذلية وهو الذي نروي به هذا الحزب المبارك وبقية الأحزاب الشاذلية الواردة بهذا الكتاب المبارك وهي: حزب النصر وحزب الدائرة وحزب البحر وحزب سيف الحكماء، وسنذكر بآخر الكتاب بعض الأسانيد الشريفة المباركة التي نروي بها هذه الأدعية المباركة، فنقول وبالله التوفيق: عن سيدي الشيخ عبيد الله القادري الحسيني قدس سره عن شيخه وأخيه الشيخ محمد القادري الحسيني قدس سره عن الشيخ العارف بالله محمد الهاشمي التلمساني قدس سره وهو أخذ عن: الشيخ أحمد ابن مصطفى العلاوي والشيخ محمد بن يلس قدس سرهما وكلاهما أخذ عن الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي قدس سره وهو عن الشيخ محمد بن قدور الوكيلي قدس سره وهو أخذ عن: الشيخ أبي يعزى المهاجي والشيخ محمد بن عبد القادر الباشا قدس سرهما وهما أخذا عن الشيخ العربي بن أحمد الدرقاوي قدس سره وهو عن الشيخ علي الجمل العمراني قدس سره وهو عن الشيخ محمد العربي بن أحمد الفاسي قدس سره وهو عن والده الشيخ أحمد بن عبد الله الفاسي قدس سره وهو عن الشيخ قاسم الخصاصي قدس سره عن الشيخ محمد بن عبد الله الفاسي قدس سره عن الشيخ عبد الرحمن بن محمد الفاسي قدس سره عن الشيخ يوسف بن محمد الفاسي قدس سره عن الشيخ عبد الرحمن المجذوب عن الشيخ علي الصنهاجي الدوار قدس سره عن الشيخ إبراهيم الفحام قدس سره عن العارف بالله أحمد زروق البرنوسي الفاسي قدس سره، عن الشيخ أبي العبّاس أحمد بن عقبة الحضرميّ عن الشيخ يحيى بن أحمد القادري عن الشيخ علي بن محمد الوفائي عن الشيخ محمد بن وفا بحر الصفا عن الشيخ داود بن عمر الباخلي عن الشيخ تاج الدين أحمد ابن عطاء الله السكندري عن الشيخ أحمد أبو العباس المرسي عن الإمام الشيخ أبو الحسن عليّ بن عبد اللّه بن عبد الجبّار الشاذليّ
سندنا الروحي في حزب البحر ورؤيتي للإمام الشاذلي
ومما منَّ الله تعالى به علي أن أكرمني بأخذ هذا الحزب المبارك عن الإمام الشاذلي بالرؤيا وذلك أني كنت في كربٍ شديدٍ، لم يمر علي مثله بحياتي حتى ضاقت عليَّ الدنيا بما رحبت، وأغلقت بوجهي الأبواب، وانقطعت بي السبل، وغدر بي الأصحاب، وتكاثر عليَّ الأعداء، وسلط عليَّ السحرة والأشرار، وأعيتني الحيلة، فذهبت وزرت الإمام سيدي المرسي أبا العباس في مقامه في الإسكندرية وزرت سيدي ياقوت العرش، وتوسلت إلى الله بهما وبالإمام الشاذلي، فأكرمني الله عز وجل في تلك الليلة برؤيا الإمام الشاذلي
وسأرويها لكم للبركة: رأيت أني برحاب سيدي المرسي وإذا بمنادٍ ينادي أن الإمام الشاذلي حضر إلى رحاب سيدي المرسي، فأسرعت باتجاه المنادي باحثاً عن سيدي الشاذلي فوصلت للزاوية التي يجلس فيها، وإذا بسيدي ياقوت العرش يقف على بابه، فطلبت منه أن يأذن لي بالدخول لرؤية الإمام فدخل ليستأذن لي عليه، فخرج وهو منقبض ويقول لي إن الإمام في شغلٍ ويعتذر عن مقابلتك، فقلت له يا سيدي أرجوك اسمح لي بالدخول فاعتذر مني مراراً، (وهنا جاءني وارد في الرؤيا أن الإمام يعتذر مني لأن حاجتي ليست عنده)، فقلت لسيدي ياقوت العرش يا سيدي أقسمت عليك بالله إلا ما دخلت وقلت لسيدي الإمام الشاذلي أن بالباب أحد تلاميذ الشيخ عبد القادر الجيلاني يستأذن بالدخول عليك، ( فعلت هذا لأني كنت على يقين أنه الإمام الشاذلي لن يردني بتشفعي عنده بالشيخ عبد القادر الجيلاني)، ودخل الشيخ ياقوت ثم خرج متبسماً وقال لي لقد أذن لك الشيخ، فدخلت فرأيته جالساً كجلسة الصلاة وعلى يمينه سيدي أبو العباس المرسي، فجلست بين يديه ولصقت رُكْبَتَيَّ بركبتيه، وأمسكت بيده الشريفة وقبلتها من إبهامه عدة مرات وبقيت ماسكاً بيده وأنظر إليه، وخاطبته بقلبي وقلت: ما من فرج وعون لمحبكم ، وعيوني ترمقه بحزن شديد ورجاء كبير، وانتظر بما سيتكلم رضي الله تعالى عنه، فإذا به يقول لي بكل هدوء وبصوت خافت وعيون حزينة : يا ولدي لا تعتب على أهل الله فإن هناك أموراً إذا جاءت من الله لا يستطيعون التصرف بها ، وما إن سمعت كلماته حتى جهشت بالبكاء وقلت له ما فعلت أنا يا سيدي حتى تغلق بوجهي لهذه الدرجة؟ فإذا به يبكي وذرفت عيناه الشريفتان دمعاً على لحيته، وما زلت أمسك بيده الشريفة وأقبل إبهامه، فإذا به يبتسم ابتسامة خفيفة ويقول لي: يا ولدي لا تحزن فإن أمورك ستفرج ولكنها تحتاج إلى وقتٍ، فنظر إليه سيدي المرسي أبو العباس نظرة تعجب وكأنه يقول له ما فعلت يا سيدي؟ فنظر إليه متبسماً وهز له برأسه وكأنه يقول له: أعرف ما أفعل فنظر إلي سيدي المرسي نظرة تعجب وانتهت الرؤيا ، وفي اليوم الثاني رأيت نفسي أقف في مكان كأنه بستان أو مزرعة، وإذا بصوت يأتيني من السماء يقول لي: عليك بحزب البحر عليك بحزب البحر عليك بحزب البحر! فنظرت إلى جهة الصوت وإذا به سيدي الإمام الشاذلي أراه يقف في الهواء ويخاطبني بهذا الخطاب، واستيقظت وأنا أردد عليك بحزب البحر عليك بحزب البحر عليك بحزب البحر، فنهضت وجددت الوضوء وقمت وصليت ركعتين وشرعت بقراءة الحزب المبارك، ولازمته بأعداد كبيرة، وبقيت خمسة أيام أرى الإمام يوجهني كيف أصنع ، حتى رأيت العجب من تغير الحال ، وكان يحثني على حزب البحر خلال هذه الأيام الخمسة مع ملازمة ذكر يا حي يا قيوم ، حتى رأيته في اليوم الخامس وهو يقول لي لقد انحلت الأمور يا ولدي ، وفعلاً تغير الحال تغيراً كبيراً ، وأعتذر عن البوح بما رأيته منه خلال الأيام الخمسة، هذه قصتي مع حزب البحر ومع سيدي وقرة عيني الإمام الشاذلي ولذلك أعتبر هذا الإذن الروحي بحزب البحر أعظم إسنادٍ لي . هذه القصة قصها أحد تلاميذ الشيخ عبد القادر الجيلاني
ونكمل عن حزب البحر في التالي بإذن الله تعالي
شهيرة النجار