الرجل الذي أذهل سيدنا الخضر.. والفرق بين المحب والمحبوب
يروي أهل التصوف قصةً بديعة تشير إلى الفرق بين المحب و المحبوب، وهي قصةٌ تروى – على المعنى لا الإسناد – عن لقاء سيدنا الخضر عليه السلام برجلٍ يعلم الناس ( عالم )
وتقول القصة:
أن الله تعالى أطلع سيدنا الخضر على أسماء المحبّين
وذات يوم دخل الخضر مسجدًا، فرأى رجلًا صالحًا يعظ الناس، وبين الحاضرين رجلًا يجلس وحده في طرف المسجد.
فذهب إليه الخضر وقال:
“لماذا لا تستمع لدرس لهذا العالم؟”
فردّ الرجل: “اتركني وشأني.”
فحاول الخضر أن يجذبه لسماع العلم،
فقال له الرجل:
“ابتعد عني وإلا أخبرت الناس أنك الخضر!”
فتعجب الخضر وقال في نفسه :
كيف لم يعرفني هذا العالم وعرَفني هذا الرجل؟
فسأل ربَّه،..
فقال له:
يا خضر… لقد أطلعتك على أسماء المحبّين، ولم أطلعك على أسماء المحبوبين.
وفي ذلك إشارة صوفية رفيعة إلى الفرق بين:
الطالب والمطلوب،
و المحب والمحبوب.
فالطالب يسعى، والمطلوب يُسحب إلى حضرة الله بلا سبب.
والمحب يحب، أما المحبوب فقد أحبه الله أولًا.
💢 المبحث الأول:
المفهوم القرآني للمحب والمحبوب
- المحبة في القرآن
ذكر الله المحبة في مواضع عديدة، أهمها قوله:
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾
إشارة دقيقة إلى أن محبة الله لعبده سابقة على محبة العبد لربه عند أهل الحقيقة.
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
يدل عند أهل الإشارة أن النبي ﷺ ليس محبًّا لله فقط، بل محبوبٌ عند الله.
📌 ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
المبحث الثاني:
في السنة النبوية
- 1. أحاديث المحبوبية
قال ﷺ:
إذا أحبَّ الله عبدًا نادى جبريل:
يا جبريل إنّي أحب فلانًا فأحبّه…»
صحيح البخاري
وهذا أصلٌ أصيل في فرق المحب والمحبوب.
ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه»
صحيح البخاري
الحديث يشير إلى أن المحبة مكتسبة…
لكن المحبوبية هبةٌ محضة.
المبحث الثالث:
أقوال الصحابة والعارفين
الصحابة
ابن مسعود رضي الله عنه
كان يضع نعل النبي ﷺ فوق رأسه ويقول:
“بنَعْلِكَ نعلو يا رسول الله.”
وهذه صورة من المحبة الممزوجة بالتعظيم.
عمر رضي الله عنه
قال للنبي ﷺ:
“لأنت أحب إليّ من نفسي.”
فقال له النبي ﷺ:
“الآن يا عمر.”
أي الآن اكتملت محبتك.
أقوال الأولياء
الجنيد
“المحبة أن يمحو المحبّ صفاته ويثبت صفات محبوبه.”
أبو يزيد البسطامي
“رفعتني المحبة حتى قالت لي: بيني وبينك أنت.”
رابعة العدوية
“أحبك حبين: حب الهوى
وحبًا لأنك أهلٌ لذاكا.”
ابن عطاء الله في الحكم
“ليس المحب من يبذل جهده، إنما المحب من بذله محبوبه إليه.”
المبحث الرابع:
الفرق بين المحب والمحبوب عند الصوفية
المحب:
يسعى
يجاهد
يذكر
يبكي
يتدرج
يقف بباب الخدمة والعبادة
المحبوب:
يُجتَبى
يُختار
يُسحب إلى حضرة القرب
تُفتح له الأبواب بغير تعب
ويكون في عين الله قبل أن يفتح عين قلبه
ولهذا قالوا:
“المحب يصل، والمحبوب يُوصَل.”
المبحث الخامس:
الفرق بين سيدنا موسى وسيدنا محمد عليهما السلام
▪︎ موسى عليه السلام
قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾
فسُدّت عنه الرؤية لأن هو الطالب.
وقيل له:
﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾
لأن المقام مقام تأديب.
اما سيدنا محمد ﷺ
لم يطلب…
بل دُعي:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾
هو المطلوب لا الطالب.
وصعد بالنعال حتى سدرة المنتهى.
وفي هذا – عند أهل الذوق – إشارة للعظمة والاصطفاء والمحبوبية.
المبحث السادس:
قصص صوفية صحيحة عن المحبوبين
- قصة أويس القرني
لم يَرَ النبي ﷺ،
ولم يره النبي ﷺ،
ومع ذلك قال عنه رسول الله ﷺ:
“إن من خير التابعين أويسًا.”
وقال لعمر وعلي:
“إذا لقيتماه فاسألاه أن يستغفر لكما.”
هذا مقام المحبوبية لا المحبة فقط.
- قصة الشيخ عبد القادر الجيلاني
قال في فتوح الغيب:
“جلستُ يومًا فملأ الله قلبي بأنوار المحبة، فسمعتُ في سرّي: يا عبد القادر، لا تخف، فقد جعلناك محبوبًا عندي.”
- قصة سهل بن عبد الله التستري
قال:
“إن لله عبادًا يطالعون قلوبهم كل ليلة، فإن وجدوا فيها غيره أخرجوهم من ديوان المحبوبين.”
خاتمة روحانية
المحبة طريق…
والمحبوبية اختيار.
المحبة جهد…
والمحبوبية نفَس.
المحب يطرق الباب…
والمحبوب يُفتَح له قبل أن يصل.
فالعبد بين جذبٍ إلهي وسعي بشري، ومن أراده الله رفعه،
ومن أحبه جذبه، ومن اجتباه وضعه بين المحبوبين الذين لا تُكشف أسماؤهم إلا لمن أُذِن له.
وفي ذلك السر الذي قيل للخضر عليه السلام
شهيرة النجار



and then