الخديوي إسماعيل جرمه وحاربه ورغم ذلك احتفظ ب11 من الجواري اضطر لإهدائهن لأقاربه عندما نفي من مصر
قصة الثلاث جواري اللائي اطحن بحكومة الخديوي عباس حلمي
كان الإتجار بالرقيق تمارس في مصر منذ عهد القدماء المصريين واستمرت حتى أوائل القرن ,وكان العبيد يجلبون من بلاد مختلفة, فالعبيد البيض كانوا يجلبون من جورجيا ومن المستعمرات الشركسية, ومنهم أسري الحروب, أما العبيد السود فيأتون من دارفور وكردفان. ، ويجلب العبيد ذوى البشرة البرونزية من جنوب السودان وكانوا يصنفون طبقًا لألوانهم ومناطق جلبهم، ولكل لون ثمن مختلف والعبيد يخدمون في بيوت الأعيان، أما النساء فيعملن كمحظيات لأغنياء القوم.

وكانت مصر تستخدم العبيد حتي بدايات القرن الماضي, حيث توجد اسواق مخصوصة لبيعهم وشرائهم وكانت توجد في القاهرة بيوت خاصة ببيع الرقيق تعرض بواسطة (يسرجيات أو يسرجيين) فكان يرتاد هذه البيوت من يريد اقتناء الجواري أو المماليك أو العبيد
” وكانت القصور الملكية وقصور وبيوت الطبقات المتيسرة يكثر فيها الجوارى والعبيد ، وكان لكل حاكم من حكام مصر فى تلك الفترة موقف من ذلك الأمر.

البداية كانت مع عباس باشا الأول والى مصر، فى الفترة من 24 نوفمبر 1848 حتى 13 يوليو 1854، الذى كان يكره الرق وتجارته، وقد عمل الرقيق فى عهده فى الكثير من الوظائف الهامة .

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت مصر في اتخاذ موقف معاد لتجارة الرقيق حين أصدر سعيد باشا في عام 1856م أمرا بمنع تجارة الرقيق، غير أن الأمر لم يجد طريقه للتنفيذ بسبب أن غالب مناطق اصطياد الرقيق في الجنوب لم تكن تحت سيطرته الفعلية. ولكن سعيد باشا نجح في تثبيط تلك التجارة في شمال السودان، خاصة الخرطوم وكان رد تجار الرقيق على ذلك الإجراء بنقل مركز تجارتهم إلى قرية كاكا في الجنوب حيث لم تكن للخديوي سلطة أو نفوذ.

ولما تولي الخديوي إسماعيل حكم مصر كان متأثرا إلي أقصي حد بالفكر الأوروبي وعزم علي أن ينضم الي حركة المطالبين بتحرير الأرقاء, وبالفعل أصدر أمرا إلي حكمدار السودان عام1863 م بتعقب تجار الرقيق ومنعهم بالقوة من ممارسة تجارتهم المحرمة, ونفذ الحكمدار أوامر الخديوي فضبط سبعين سفينة مشحونة بالأرقاء واعتقل التجار الذين جلبوهم, أما الأرقاء فقد أطلق سراحهم وأعادهم إلي بلادهم ,وفي عام1865 احتل الجيش المصري بلدة فاشودة لكي يسد الطريق علي تجار الرقيق, ووضع بها نقطة حربية دائمة لمنع تجارة الرقيق.

في الرابع من أغسطس عام1877 م, أرغمت الحكومة البريطانية الخديوي إسماعيل علي توقيع معاهدة معها للتعاون علي منع الاتجار بالرقيق في مصر والسودان واسند الخديو إسماعيل رئاسة مقاومة الاتجار بالرقيق لكولونيل جوردون, الذي أثار مشاعر تجار الرقيق الذين جمعوا ثروات طائلة من هذه التجارة , , وقد انضم هؤلاء إلي الحركة المهدية في عهد الخديوي توفيق, وكانوا سبباً في نجاح ثورته التي تذرع بها الإنجليز لكي يستولوا علي السودان ويحتلوه ويستغلوا ثرواته لصالحهم

أكد الخديوى اسماعيل أنه بمحاربة تلك التجارة فسوف ينهى في نهاية المطاف الرق في مصر وجميع المناطق التي تتبع لها، حتى وإن استغرق ذلك خمسة عشر أو عشرين عاماً.

واتخذ الخديوي إسماعيل عدة إجراءات لمحاربة تجارة الرقيق ومنها:

- أنشأ ء شرطة نهرية وأقام نقطة مراقبة حكومية في فاشودة بأعالي النيل.
- وأحكم سيطرته على كثير من المناطق التي كان يؤتى بالمسترقين منها مثل بحر الغزال ودارفور وأعالي النيل،وترتب على هذه الاجراءات أن غير
تجار الرقيق من خيط سير قوافلهم المحملة بالمسترقين من نهر النيل إلى الصحراء.
وعلى الرغم من تلك الجهود للتخلص من الرق فإن الخديوي إسماعيل نفسه ظل محتفظاً بحريمه ومحظياته حتي آخر أيامه في مصر, وكان يتكون من أربع عشرة امرأة بين زوجة ومستولدة, وقد تسبب هذا العدد الكبير في أزمة عند رحيل الخديوي إسماعيل منفيا إلي أوروبا, فلم يكن في مقدوره أن ينفق علي ذلك العدد الضخم من الجواري والمحظيات وأبنائهن, وبالتالي أضطر لأن يوزع العديد منهن علي أقاربه من العائلة المالكة ورجال الحاشية ليتزوجوهن ,وفى عصر الخديوي توفيق تم تصفية الحريم في مصر إلي الأبد واتخذ سلاطين وملوك مصر زوجة واحدة.

لم يرحب الأثرياء المصريين بالقانون الجديد وألقوا به عرض الحائط, واستمرت عمليات بيع وشراء النساء والأطفال بمصر رغم صدور المعاهدة الثانية لمنع الرقيق في بروكسل عام1890 م.

ففي عهد الخديو عباس حلمي الثاني حفيد إسماعيل, وقعت حادثة عام1894 عندما حضر إلي مصر عن طريق الواحات خمسة من تجار الرقيق ليبيعوا ست جاريات سودانيات, وقام علي باشا شريف, رئيس المجلس التشريعي المصرى , يشراء ثلاث جاريات ضارباً بالقانون عرض الحائط .
أما الجاريات الثلاث الأخريات فقد اشتراهن الدكتور عبد الحميد بك شافعي, الذي احتفظ لنفسه بواحدة وأرسل الثانية للشواربي باشا, والثالثة إلي منزل حسين باشا واصف مدير مديرية أسيوط.

وفى هذا الوقت كان بمصر مصلحة لرعاية شئون الرقيق وبحث أحوالهم وتحريرهم الرق, وكان لها فروع بالمديريات المختلفة لكي يحصل منها العبد علي وثيقة تحمل اسم تذكرة حرية وكان يرأس هذه المصلحة الضابط الإنجليزي شيفر بك .

ومن حسن الحظ أن ضابطا مصرياً يعمل بمصلحة الرقيق يدعي اليوزباشي محمد ماهر, علم بنبأ تلك الصفقة, فتوجه إلي حيث يقيم التجار الخمسة وألقي القبض علي أربعة منهم, بينما استطاع الخامس أن يهرب واعترف التجار ببيع الجاريات إلي الباشوات .

ورفع محمد ماهر تقريرا بذلك إلي رئيسه الإنجليزي شيفر بك, فاستدعي الباشا إلي مكتبه, ووجه له تهمة الاشتراك في الاتجار بالرقيق, رعاياها وتشكلت محكمة عسكرية في 4 سبتمبر1894 م لمحاكمة كل من اشترك في الجريمة: النخاسين والجواري والباشوات.

وفي 13 سبتمبر أصدرت محكمة عسكرية حكمها بإدانة الدكتور عبد الحميد الشافعي وحبسه مع الشغل, وكذلك إدانة علي باشا شريف رئيس المجلس التشريعي بتهمة الاتجار بالرقيق
وعندما وصل الحكم إلي علي باشا رفع استقالته من رئاسة المجلس التشريعي إلي الخديوي عباس, ليس لارتكابه تلك الجريمة وإنما بسبب مرضه, وطلب العفو من الخديوي فأعفاه.

وقانا الله وإياكم شر الرق والذل والعبودية

المصادر:

- كتاب «أنت حُرٌّ لوجه الله… الرق والعتق في مصر القرن التاسع عشر» للمؤرخ عماد هلا.
- إقبال بركة، حكاية الباشوات والجواري، جريدة “الأهرام”، القاهرة، 7 مارس 2001.
- مدونة د .ياسر ثابت.
شهيرة النجار