◾ ❞السَّالِكُونَ طَرِيقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ هُمْ أَهْلُ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ ، الَّذِينَ يَحْفَظُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِمْ دِينَهُ ، وَيُعْلِي بِهِمْ كَلِمَتَهُ وَيُجَدِّدُ بِهِمْ سُنَّتَهُ ، وَهُمْ مَحَلُّ نَظَرِهِ وَأَهْلُ مَحَبَّتِهِ ، يَسْتَعْمِلُهُمْ فِيمَا يُحِبُّ ، وَيُمَكِّنُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِالْحَقِّ ، وَيُبَيِّنُ بِهِمْ آيَاتِهِ ، وَيُوَضِّحُ بِهِمْ مَنَاهِجَهُ وَسُبُلَهُ ، وَهُمْ أَهْلُ اللَّهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَأَهْلُ مَعِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، ذَكَرَهُمْ فِي آخِرِ سُورَةِ الْفَتْحِ ، وَمَدَحَهُمْ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَبَشَّرَهُمْ ، وَبَيَّنَ صِفَاتَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ بِمُحْكَمِ الْآيَاتِ ، وَلَيْسَتْ الْمَعِيَّةُ مَعِيَّةً جُسْمَانِيَّةً ، لَا وَلَكِنَّهَا مَعِيَّةُ إِتْبَاعٍ وَإِقْتِدَاءٍ وَعَمَلٍ وَحُبٍّ وَمُشَابَهَةٍ وَتَقْلِيدٍ وَتَمْكِينٍ وَعِلْمٍ وَمُشَاهَدَةٍ وَفَهْمٍ ، فَإِذَا كَانُوا هُمْ الْأَئِمَّةَ لِلنَّاسِ وَالسُّرَجَ لِلْخَلْقِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، فَصِفَاتُهُمْ أَوَّلًا الرَّحْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ بِعَطْفٍ يُودِّدُهُ ، وَحِلْمٍ يُقَرِّبُهُ ، وَكَرَمٍ يُحَبِّبُهُ ، وَعَمَلٍ يَرْغَبُهُ ، وَعِلْمٍ يُكْمِلُهُ ، وَزُهْدٍ فِيمَا فِي أَيْدَى الْمُسْلِمِينَ يُؤَلِّفُهُمْ ، وَبَذْلٍ لَهُمْ لِيَجْمَعَهُمْ ، وَحَنَانٍ بِهِمْ يُهَذِّبُهُمْ ، وَتَبَاعُدٍ عَمَّا يَنْفِرُهُمْ مِنْ عَمَلٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ حَالٍ ، أَوْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضٍ ، اللَّهُمُّ إلَّا بِذِكْرِ عُلُومِ السَّلَفِ وَأَعْمَالِهِمْ وَصِدْقِهِمْ مَعَ اللَّهِ عَلَى بَلَائِهِ سُبْحَانَهُ ، وَمُجَاهَدَاتِهِمْ فَى ذَاتِهِ أَعْدَاءَهُ ، أَوْ مُجَاهَدَةِ أَنْفُسِهِمْ ، مِنْ دُونِ تَفْضِيلٍ لِذَوَاتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا ذِكْرٍ لِخُصُوصِيَّاتِهِمْ الَّتِي لَا تَقْبَلُهَا الْعُقُولُ ، أَوْ إِذَا ذُكِرَتْ أَضَرَّتْ أَهْلَ الْجَهْلِ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ عَبْدٌ مِسْكِينٌ لِرَبٍّ عَظِيمٍ يَهَبُهُ مَا يَشَاءُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ، فَتُذْكُرُ الْخُصُوصِيَّاتِ لِيَشْتَاقَ الْعَامِلُونَ إلَى نَوَالِ تِلْكَ الْمَقَامَاتِ ، لَا لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَقِيَامِ الْعَدَاوَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، فَالسَّالِكُ مُرِيدٌ مُحِبٌّ لِمَا يُحِبُّهُ الْحَقُّ ، عَامِلٌ لِنَوَالِ مَرْضَاتِهِ وَلِلْفَوْزِ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ ، وَتِلْكَ الْخَيْرَاتُ لَا تُنَالُ إلَّا بِمَا يُحِبُّهُ❝.
◾ ❞وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَمَلٌ يَجْمَعُ عِبَادَهُ عَلَيْهِ ، وَيُعَرِّفُهُمْ مَقَامَهُ سُبْحَانَهُ ، وَيَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْأَحَدُ الصَّمْدُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ وَمَنْ سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ سُبْحَانَهُ ، مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ تَعَالَى ، مُضْطَرٌّ إلَى جُودِهِ وَبَرِّهِ ، لَا عَمَلَ لِأَحَدٍ وَلَا نَفْعَ وَلَا ضَرَّ لِأَحَدٍ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ ، وَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْقُلُوبُ وَيَتَحَصَّلُ الْعَامِلُ عَلَى الْمَطْلُوبِ❝.
◾ ❞السَّالِكُ الَّذِى يَحْفَظُ كَرَامَاتِ الرِّجَالِ وَخُصُوصِيَّاتِهِمْ وَأَحْوَالَهُمْ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَشْغَلُ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّفْضِيلِ بَيْنَ أَهْلِ الْخُصُوصِيَّاتِ ، وَالْإِعْتِقَادِ فِي بَعْضِهِمْ حَتَّى يَنْسَى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ ، وَيَتَهَاوَنَ بِكَمَالَاتِ نَفْسِهِ الَّتِي بِهَا يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الْأَفْرَادِ ، حَتَّى يُوقِعَ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الشِّيَعِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَالنُّحَلِ الْمُتَمَزِّقَةِ ، لَا أَظُنُّهُ سَالِكًا طَرِيقَ الرَّشَادِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ نَبِيَّهُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، وَأَلَّفَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُتَخَاصِمَةِ بِنُورِ الْحَقِّ مُبَيِّنًا سُبُلَ الْحَقِّ مُوَضِّحًا طُرُقَهُ ، حَتَّى شَغَلَ الْخَلْقَ بِاَللَّهِ ، وَنَزَعَ مِنْ نُفُوسِهِمْ حُبَّ الْأَصْنَامِ وَإِتْخَاذَ الْأَنْبِيَاءِ آلِهَةً ، أَوْ أَبْنَاءَ الْإِلَهِ حَتَّى عَشِقُوا الْحَقَّ ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي نَوَالِ مَرْضَاتِهِ ، وَشَغَلَهُمْ ذِكْرُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَطَلَبُهُ عَنْ طَلَبِ سِوَاهُ ، حَتَّى بَلَغَتْ دَرَجَةُ الْمَحَبَّةِ لِلْحَقِّ وَالشَّوْقِ إلَيْهِ وَمَعْرِفَةِ مَقَامِهِ سُبْحَانَهُ وَمَقَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُمْ كَانُوا فِي بَعْضِ الْمَضَايِقِ يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْفِقُ عَلَيْهِمْ فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ التَّشْدِيدَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، أَوْ يَرَوْنَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ يُرَاعِي جَانِبَهُمْ ، فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْعَمَلِ ، كُلُّ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِمَقَامِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ ، وَمَا جَمَّلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلُوبَهُمْ مِنْ عُلُومِ التَّوْحِيدِ وَالْيَقِينِ ، وَمَا كَانَ يَشْهَدُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ بِشَرٍ وَعَبْدٍ ذَلِيلٍ مُفْتَقِرٍ إلَى الْوَلَي الْعَظِيمِ ، وَمَا كَانَ يُهَذِّبُهُمْ بِهِ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لَهُمْ بِالْمَشُورَةِ وَبِالْبَسْطِ وَفَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمُجَالَسَةِ ، مِمَّا أَذَاقَهُمْ بِهِ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ وَكَمَالَ مُشَاهَدَةِ الْغُيُوبِ❝.
◾ ❞هَكَذَا يَكُونُ السَّالِكُونَ بِالنِّسْبَةِ لِمَشَايِخِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَبْحَثُوا عَنْ الرَّجُلِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَخَلِّقِ بِأَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي مَنَحَهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ الْبَالِغَةَ فَيَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الْمُوَصِّلَ وَيَجْتَهِدُونَ فِي تَأْلِيفِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ ، بِدُونِ تَنْفِيرٍ وَلَا تَعَصُّبٍ وَلَا ذِكْرٍ لِخُصُوصِيَّاتِ الرِّجَالِ إلَّا لِيَعْمَلَ بِعِلْمِهِمْ لَا لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَبِذَلِكَ تَتَّحِدُّ الْقُلُوبُ عَلَى الْحَقِّ وَتَجْتَمِعُ عَلَى الْهُدَى ، وَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ وَيَتَحَابُّونَ بِرُوحِ اللَّهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ ، وَتَتَعَاطَفُ قُلُوبُهُمْ وَيَكُونُونَ يَدًا وَاحِدَةً عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ ، فَيُعِزُّهُمْ اللَّهُ وَيُذِلُّ أَعْدَاءَهُمْ ، وَيُمَكِّنُ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ، وَيَفْتَحُ لَهُمْ الْبِلَادَ ، وَيَنْشُرُ بِهِمْ الْإِسْلَامُ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ حَتَّى تَكُونَ لَنَا الْعِزَّةُ وَالْمُلْكُ فَى الْأَرْضِ بِالْحَقِّ ، وَلِلْكُفَّارِ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ ، وَيَكُونُونَ أَرِقَّاءَ يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا كَانُوا ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَجْعَلُهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدَي أَوْلِيَائِهِ ، وَيُظْهِرُهُ عَلَى يَدِ أَحْبَابِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُجَدِّدُ بِنَا سُنَّتَهُ وَيُعْلَى بِنَا كَلِمَتَهُ وَيَجْمَعُ بِنَا قُلُوبَ عِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ بِجَاهِ حَبِيبِهِ الْأَمِينِ❝.
شهيرة النجار