وحيد حامد: طائر الليل الحزين نعى نفسه ورحل

من المؤكد أن الزملاء بقسم الفن سيسردون ويحكون عن المبدع الذى اختار ثاني أيام السنة الجديدة ليقول لنا وداعاً وربما سيسطر الأستاذ عادل حمودة مقاله أو مقالاً منفرداً عن وحيد حامد صديق عمره وزميل «روزاليوسف» وهو الذى شاركه قراءة سيناريوهاته التي كان يجسدها نجم مصر الأول عادل إمام في عز مجد سينما عادل إمام في تسعينيات القرن الماضي «طيور الظلام والإرهاب والكباب والمنسي» ولكن وددت أن أسطر تلك الكلمات البسيطة حول ذلك الفارس الذى رحل بجسده فمن الغرائب أننى كنت قبل وفاته بأيام أبحث في محطات الأفلام عن فيلم قديم وللغرابة وجدت محطات متتالية تعرض أفلاماً لعادل إمام ونبيلة عبيد وأحمد زكى «المنسي وطيور الظلام والراقصة والسياسي واضحك الصورة تطلع حلوة» وبدون تردد قلت سبحان الله كل هذه الأفلام بجملها الحوارية التي عبرت من لسان أبطالها للشارع المصري وأصبحت علامة مسجلة باسم جمل حوارات وحيد حامد على غير العادة المصرية أن يتم نسب جمل حوارية في أفلام لمؤلفيها ولكن عندما تشاهد حوار فيلم «طيور الظلام» بكل ما فيه من واقعية وإبداع على لسان أبطاله أو فيلم «الإرهاب والكباب» والجمل التي خرجت منه لتصبح بالبلدي ترند عند المصريين أو مشهد أحمد زكى وهو يلقن كريم عبدالعزيز معنى شرف الكلمة في فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» أو جمل نبيلة عبيد الخالدة في فيلم «الراقصة والسياسي» أنت بترقص بلسانك وأنا برقص بجسمي لكن بضاعتي لها جمهور أما بضاعتك أول ما الناس تشوفها بيقفلوا التليفزيون، والأشهر ربنا يكفيك شر مكر العوالم جمل وحيد حامد وأفلامه جعلتني أقول لماذا وحيد حامد هو الأشهر بين أبناء جيله وتفرد؟ وتأتى الإجابة من الصدق والتعمق في الالتحام مع الشارع المصري الذى لم يبعد عنه يوما ما رغم أن الدنيا أعطته حظها كمؤلف وصحفي ووضعته في الصف الأول بدبورة فهو بين جيل الكتاب الأول وبين جيل الصحفيين المتميز وجرى العرف عندما يتزوج الكاتب من فنانة أو مذيعة يلقى الكاتب بشهرة زوجته والقائمة طويلة جداً، لكن مع وحيد حامد كان يقال وحيد حامد زوج زينب سويدان رغم أن السيدة زينب سويدان كانت المذيعة الأولى لنشرة أخبار مصر في عز مجدها وتولت رئاسة التليفزيون لكن بريق وحيد حامد وإبداعه غطى على كل شيء فلم يبق إلا صدق أعمال وحيد التي خلدته، وحيد حامد الذى ما أن يحضر عروض أفلامه مع نجوم شباك مصر حتى تجد الجمهور يجرى عليه والنجوم تدور في فلكه فهو وحيد حامد وكأن له نصيباً من اسمه وحيداً في تفرده وحامداً دائماً لله على ما أنعم عليه به، كنت دائماً أشعر بالغيرة وألعن البعد لوجودي الدائم في الإسكندرية وزميلي وصديق مؤسسة «روزاليوسف» وائل الإبراشي شفاه الله وعفاه كان يحدثني عن لقاءاته الأسبوعية كالساعة منتظمة مع الأستاذ وحيد حامد كل جمعة في مريديان القاهرة الذى تحول لجراند حياة وأن المنضدة المسماة بالفندق باسم وحيد حامد كانت تجمع أسبوعياً عادل إمام وأحياناً يسرا والزملاء طارق الشناوي ومحمد هاني وعمرو خفاجة أبناء «روزاليوسف» وكانت الأحاديث في كل اتجاه أشبه بصالون ثقافي أسبوعي فقد كان زملائي في أواخر تسعينيات القرن الماضي وأول الألفية محظوظون حتى تفرقت بهم السبل وكم دمعت عيناي وأنا أطالع ما كتبه الزميل الصديق محمد هاني حول وحيد حامد في مقال تمت كتابته بمناسبة تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير وسطر فيه حالة البهجة حول وحيد حامد، وكم كان صديقنا الناقد طارق الشناوي يزف سعادته عبر مقالات متتالية وهو يحكى أنه انفرد بكتابة تكريم وحيد حامد في المهرجان الأخير الذى كان فيه كلمات الوداع التي ودع بها وحيد الدنيا بقوله سعيد أنى كنت في جيلكم هذا الرجل تكلم بصيغة الماضي واستخدم الفعل الماضي كنت معاكم وكنت في جيلكم كأنما كان يتحدث ويرسل رسالة من العالم الآخر وهو مازال حياً يتنفس بيننا، والله لحظة سماعي لتلك الكلمات قلت: وحيد ينعى نفسه ويودع الدنيا بعد أن أخذ منها حظها وجمالها وأخذ قلوبنا وكسب احترامنا وحفر اسمه وسط كوكبة مبدعي مصر عبر عصورها ليأخذ القسط الأكبر وسط جيل كبير وأجيال أعظم.

ولقد كنت محظوظة بأن تواصلت في 2013 مع الأستاذ الراحل لثلاث مرات عبر الهاتف وكم كان رائعاً في كلماته ونصائحه لي والتي أنصح فيها نفسى ولم أفعل منها شيئاً للآن وكم كان صادقاً عندما قال لي إنني وصلت لقمة الهرم في الكتابة وكونت اسمى وحققت التارجت المطلوب من وجود قارئ يبحث عما أسطره وأن المنصب لن يزيد الكاتب شيئاً سوى وجوده في السي في ليأكل به عيش أو يبحث عن مكان للعيش أما الكاتب فهو لقب لن يسقط عن الموهوب حتى موته وأنه آن الأوان لأن اتجه للكتابة والكتب فأعربت له عن رغبتي في كتابة السيناريو والأفلام فقال سهلة لكن ليس وأنت جالسة في البيت وعلى العموم اقرئى سيناريوهات لأفلام ومسلسلات قديمة ورغم نصيحة 2013 والتي تكررت على لسان أصدقاء كثيرين لي لم أفعل للآن، أفلام وحيد حامد التي بضغطة على محرك البحث جوجل يمكن أن تخرجها لعظماء نجوم مصر في جيلها السابق والحالي حتى المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية تجد اسم وحيد حامد يطل عليك بالتفرد فيها لكن كواليس أفلامه وحكاياته مع صديق عمره عادل إمام والقرب والقطيعة والبعد وأحمد زكى وتوسلات نجمات شباك مصر لأن يكتب لهن وكيف أنه يعزف عن الكتابة لاسم ما لمجرد شعوره أنه لن يقدم له ما يريده في الشخصية أو أن الشخصية لا تليق عليه حتى ولو أعطاه أضعاف ما يأخذ أي مؤلف، أو أن النجم أصبح متعالياً حكايات كثيرة وأفلام كتبت لعادل إمام فذهبت لأحمد زكى وأخرى لمحمود عبدالعزيز ويبقى السؤال هل استمرت القطيعة بين عادل إمام ووحيد حامد حتى رحل؟