الخميس, أبريل 25, 2024
الطريق الي الله

فى استحباب زيارة القبور بحث مهم لآراء كل الشيوخ

شارك المقال

الحمد لله المنفرد بالخلق والإيجاد، والمنزه عن الشركاء والأنداد، سبحانه وتعالي قضي على الجميع خلقه بالفناء، وتفرد بالبقاء، فقال تعالي “كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذوالجلال والأكرام” والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد العالمين، وشفيع العصاة والمذنبين ورضي الله تبارك وتعالي على آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلي يوم الدين. [أما بعد]

فإن زيارة القبور للعظة والاعتبار مما يرغب فيها رسول الله ﷺ، حتى لا تفتنا الدنيا الفانية، وتشغلنا عن العمل للدار الباقية، ففي سنن ابن ماجد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة. وروي الترمذي عن بريده رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور – فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه – فزوروها فإنها تذكرهم الآخرة. قال الترمذي حديث حسن صحيح.

والعمل على هذا عند أهل العلم أنهم لا يرون بزيارة القبور بأسا،  وهو قول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روي هذا الحديث أيضاً مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم، وأخرج الحاكم الحاكم فى المستدرك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي فزوروهاـ فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، فزوروا ولا تقولوا هجراً (أي قبيحاً أو فحشاً من ألفاظ السخط على قضاء الله تعالي وقدره).

هذا فى مطلق زيارة قبور المسلمين. أما قبور العلماء والأولياء والصالحين فى أشد تأكيداً لأن التأثر بها أكثر، والاعتبار بها أعظم. قال الإمام ابن الحاج العبدري المالكي المتوفي سنة 737 هـ فى كتابه المدخل: فى باب زيارة القبور بعد أن ذكر الزيارة المشروعة، ما نصه: وهذه صفة زيارة القبور عموماً فإن كان الميت المزار ممن ترجي بركته يبدأ بالتوسل به إلي الله تعالي وكذلك يتوسل الزائر بالنبي ﷺ إذ هو العمدة فى التوسل والأصل فى هذا كله والمشرع له، فتوسل به ﷺ وبمن تبعه بإحسان إلي يوم الدين، وقد روي البخاري عن أنس بن مالك أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقي بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا ﷺ فسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فيسقون أ.هـ ثم يتوسل بأهل تلك المقابر (أعني بالصالحين منهم) في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ثم يدعو الله لنفسه ولوالديه ومشايخه ولأقاربه ولأهل تلك المقابر ولأموات المسلمين ولأحبائهم وذريتهم إلي يوم الدين وأمن غاب عنه من إخوانه، ويجأر إلي الله بالدعاء عندهم ويكثر التوسل بهم إلي الله تعالي لأنه سبحانه وتعالي اجتباهم وشرفهم وكرمهم، فتما نفع بهم في الدنيا ففي الأخرة أكثر، فمن أراد حاجة فليذهب إليهم.

وقد تقرر في الشرع وعلم مالله تعالي من الاعتناء بهم وذلك كثير مشهود ومازال الناس والعلماء والأكابر كابرا عن كابر مشرقاً ومغرباً يتبركون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسا ومعني. وأخرج الحافظ اللخطيب في تاريخ بغداد بسنده إني على بن ميمون قال سمعت الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفه وأجيئ إلي قبره في كل يوم ( يعني زائراً) فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلي قبره وسألت الله تعالي الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضي.

وقال شيخنا العلامة المحدث أبو الفضل عبد الله الصديق العماري في كتابه (الزد المحكم المتين): “ولا يمكن التفريق في التوسل بالصالحين بين حالتي الحياة والموت، لأن موتي المؤمنين كما قلنا يشعرون بمن يسلم عليهم ويستأنسون به ويردون عليه السلام، بل وتعرض أعمال الأحياء على أقاربهم الأموات فيستبشرون بها إن كانت أعمالاً صالحة ويدعون لهم بالهداية إذا كانت خلاف ذلك.

وإذا كان هذا حال مطلق المؤمنين فكيف بالأولياء الذين جهدوا أنفسهم في الله وهانت عليهم الدنيا بل العالم كله في سبيل مرضاة خالقهم وبارئهم لا شك أنهم أعظم وحالهم أكمل وأتم”. وقد استفاض عن كثير من الأولياء من السلف الصالح وغيرهم أنهم كانوا يقرأون القرآن في قبورهم سمع ذلك منهم عدة أناسي في وقائع مختلفة كما استفاض أيضاً أن أجسادهم شوهدت صحيحة غير بالية بعد مضي سنين عليها في  القبر وهذا كثير مشاهد.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه (أهوال القبور): قد يكرم الله بعض أهل البرزخ بأعمال صالحة في البرزخ وإن لم يحصل له بذلك ثواب لانقطاع عمله بالموت لكنه إنما يبقي عمله عليه ليتنعم بذكر الله وطاعته كما تتنعم بذلك الملائكة وأهل الجنة في الجنة، وإن لم يكن يترتب على ذلك ثواب لأن نفس الذكر والطاعة أعظم نعيم عند أهلها من جميع نعيم أهل الدنيا أ.هـ.

أما من ينكر زيارة القبور بسبب ما يحدث من بعض الزائرين من ألفاظ منكرة مثل قولهم: يا سيد اشفيني أو أهلك عدوي أو الشكوي لأهل البصيرة عيب، مع تقبيل العتبات والأبواب والتمسح بالحديد والخشب فكل هذا ممنوع غير مشروع، والأولياء أنفسهم لا يرضون به بل يتألمون من فعله ويتبرأون من فاعله، أما التوسل إلي الله تعالي بهم فهو الثابت شرعاً، الذي يجب على الزائر لهم أن يحرص عليه ولا يتعدي إلي سواه.

أما من يقول بأن زيارتهم والتوسل بهم شرك للتشبه بحال الكفار الذين كانوا يفعلون مثل ذلك بأصنامهم، فقد ذكرنا بحمد الله تعالي أدلة زيارة القبور وأقوال العلماء فى ذلك، وأن المتوسل بهم لا يخرج عنه طلبه من الله ودعائه إياه.

وقد أوضح ذلك العلامه الكبير الشيخ محمد بخيث المطيعي الحنفي فى مقدمة كتاب (شفاء السقام) قال رحمه الله تعالي: تقرر عقلا ونقلا أن توقف الممكنات بعضها على بعض لنقص فى الممكنات لا لعجز فى الفاعل جل شأنه، وهذا مما كاد أن يكون بديهياً، وكما جاز أن يتوسط حي فى قضاء مصلحة حي والفعل لله وحده، ويجوز أن يتوسط روح ميت فى قضاء مصلحة حي أو ميت والفعل لله وحده والأرواح باقية على الحياة وأفعالها فى عالم الملك (أي الدنيا) إنما تظهر بواسطة البدن مادام حياً، فإذا مات الإنسان بقيت روحه على حياتها الملكوتية وتعلقت بجسمه تعلقاً آخر على وجه آخر يعلمه تعالي كما دل عليه نعيم القبر وعذابه، فإذا كان الفعل في الواقع ونفس الأمر إنما هو للنفس والروح والجسم آلة يظهر به الفعل، والروح باقية خالده ففعلها باق وتعرضها في أفعالها لا يتغير إلا بعدم ظهور الأفعال بواسطة البدن، فلا مانع عقلا أن يكون بعض أرواح الأولياء والصالحين بعد موت الأجساد سببا بدعائها وتوجهها إلي الله تعالي في قضاء حوائج بعض الزائرين لهم المتوسلين بهم، بدون أن يكون لها مدخل في التأثير.

وأي فرق بين المتوسط بالأحياء في قضاء الحوائج مع اعتقاد أن لا فاعل إلا الله، وبيت توسط أرواح الأموات مع اعتقاد ذلك، والقول بأن ذلك، والقول بأن ملوك الدنيا إنما يحتاجون إلي الوسائط لجواز الغفلة عليهم عن حوائج الخلق بخلاف العليم الخبير سفسطه ظاهرة وتمويه  على المقول، فإن الملك ووسائطه واسطة في قضاء حوائط الطالب من الله وحده، لكان معاونة بعضنا بعض في قضاء المصالح شركا. وهذا باطل بالضرورة لما يترتب عليه بطلان الشرائع السماوية وفساد نظام العالم، وعدم نسبة الأفعال الاختيارية إلي فاعلها، فتبطل الحدود والزواجر، ويختل النظام فعليك بالإنصاف أ.هـ.

وأيضاً فإن موت أصحاب رسول الله ﷺ في بلاد من بلاد المسلمين ويقاس عليهم أئمة المسلمين وصلحاؤهم أمان لأهل هذه البلدة يوجب جزيل الفضل والعطايا لحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه يرفعه إلي النبي ﷺ (بما رجل من أصحابي مات ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة) روي البخاري في كتابه التاريخ الكبير, وفي هذا القدر كفاية وبالله الهداية والتوفيق والحمد لله رب العالمين.

شهيرة النجار

وسوم

Welcome to حكايات شهيرة النجار

Install
×